في مشهدٍ يُعيد إلى الأذهان تداخل السياسة بالثقافة في أوروبا “المتحضّرة”، أعلنت إدارة مهرجان مالمو الدولي للأفلام اليهودية عن تأجيل دورته لسنة 2025 بعد أن رفضت جميع دور السينما في المدينة استضافة عروضه، متذرعةً بـ”أسباب أمنية”، وفق ما نقلته وكالة أسوشيتد برس.
كان من المفترض أن يمتد الحدث من 29 نونبر إلى 2 دجنبر المقبلين احتفاءً بمرور قرنين ونصف على الوجود اليهودي في السويد، لكن المهرجان وُوجه بأبواب مغلقة من جميع الصالات التجارية والمستقلة على حد سواء.
في بيان رسمي، قال المنظمون: “لقد أُغلقنا من طرف جميع دور السينما، وسنأخذ استراحة قصيرة لاستعادة نشاطنا قبل استئناف البحث عن مكان جديد”. وأضافوا أنهم تلقوا دعمًا كبيرًا من متضامنين خلال الأيام الأخيرة، في وقتٍ بدأ النقاش يحتدم في الأوساط الثقافية والإعلامية حول مدى تأثير الخوف من “التهديدات الأمنية” على حرية التعبير في السويد.
أحد مؤسسي المهرجان، أولا تيدين، أوضح في تصريح لقناة SVT أن بعض العارضين برروا رفضهم بخشيتهم على سلامة العاملين والجمهور من أي حوادث محتملة، بينما أكدت سلسلة “فيلمستادن” الكبرى أنها اتخذت القرار منذ الربيع الماضي بعد تقييم أمني شامل.
اللافت أن وزارة الثقافة السويدية التزمت الصمت تجاه العاصفة، رغم تصاعد انتقادات الجالية اليهودية التي ترى في الأمر انعكاسًا لـ”مناخ عداء متزايد” تجاههم، بينما يعتبر آخرون أن ما حدث يعكس حساسية الرأي العام الأوروبي من كل ما يرتبط بإسرائيل في ظل مشاهد الحرب في غزة.
المهرجان الذي وُلد العام الماضي كان يسعى لتقديم خليطٍ من الأفلام الإسرائيلية والدولية تُعالج قضايا الذاكرة والهوية والحوار بين الأديان، لكنه اصطدم هذه المرة بجدار الواقع الأوروبي الذي يبدو أنه يخاف من شبح الجدل أكثر من الجدل نفسه.
بين شعار “حرية التعبير” وواقع “الرقابة غير المعلنة”، تضع مالمو السويدية نفسها أمام مرآةٍ تكشف هشاشة خطابها الثقافي حين يتعلق الأمر بالشرق الأوسط. فبينما تُغلق الصالات أبوابها خوفًا من “خطرٍ محتمل”، تُفتح أبواب الأسئلة على مصراعيها حول من يقرر ما يُعرض وما يُمنع في أوروبا… الأمن أم الضمير؟
19/10/2025