kawalisrif@hotmail.com

هولندا تُقنّن العلاج :   الرعاية الصحية تطرق باب الأغنياء أولاً… ومغاربة المهجر لا يسمح لهم بالعلاج في المغرب مجانا !

هولندا تُقنّن العلاج : الرعاية الصحية تطرق باب الأغنياء أولاً… ومغاربة المهجر لا يسمح لهم بالعلاج في المغرب مجانا !

في خطوة فجّرت جدلاً واسعاً داخل الأوساط الصحية والاجتماعية، حذّرت ست عشرة منظمة للمرضى في هولندا من خطر انزلاق النظام الصحي نحو “التمييز الطبقي في العلاج”، بعدما أعلنت ستة أحزاب سياسية نيتها تجميد الحزمة الأساسية للرعاية الصحية بهدف تقليص النفقات العمومية.

القرار، الذي يصدر عن بلد طالما افتخر بعدالة نظامه الصحي، يعني ببساطة أن العلاجات الجديدة والمكلفة – خصوصاً تلك المرتبطة بأمراض السرطان، الزهايمر، أو الروماتيزم – قد لا تُدرج مستقبلاً ضمن تغطية التأمين الصحي الإجباري، ليصبح العلاج متاحاً لمن يستطيع الدفع فقط… أي للأغنياء.

الأحزاب التي تبنت هذا المقترح (VVD، D66، JA21، Volt، ChristenUnie، وSGP) تعتبر أن الخطوة ستوفر نصف مليار يورو في المدى القريب، وقد تصل المدخرات إلى 7.7 مليار يورو على المدى الطويل، حسب المكتب المركزي للتخطيط الاقتصادي (CPB). غير أن هذه الحسابات المالية لا تُخفي الجانب الإنساني المظلم للقرار، إذ يحذر خبراء وأطباء من أن تجميد الحزمة قد يحرم آلاف المرضى من أحدث العلاجات، ويفتح الباب أمام “سياحة علاجية داخلية” يتلقى فيها الأغنياء الرعاية السريعة في العيادات الخاصة، بينما ينتظر باقي المواطنين دورهم في الطوابير الطويلة.

المنظمات الصحية وصفت ما يجري بأنه “انزلاق خطير نحو تحويل العلاج إلى رفاهية”. الخبير الهولندي ديفيد بولشير من بنك ABN Amro نبّه إلى أن القرار قد يحوّل إدراج أي دواء جديد إلى قضية سياسية لا طبية، أي أن حياة الناس ستُناقش في البرلمان بدل أن تُقرَّر داخل المستشفيات وبين الأطباء.

بعض الساسة أنفسهم لم يُخفوا حساسية القرار، إذ قال بيتر جرينويز من حزب ChristenUnie: “ستكون هناك اختيارات مؤلمة… لكنها ضرورية لضمان استدامة النظام الصحي.” فيما حاول روب جيتن من حزب D66 تهدئة المخاوف بالقول إن “الأدوية المنقذة للحياة ستظل مغطاة”، مؤكداً أن الهدف هو كبح جماح تكاليف الرعاية حتى تبقى أقساط التأمين في متناول الجميع.

غير أن هذه التطمينات لم تُقنع آلاف المغاربة المقيمين في هولندا، خصوصاً كبار السن وذوي الأمراض المزمنة الذين يعتمدون بالكامل على النظام الصحي العمومي. ومع ارتفاع تكاليف المعيشة وأقساط التأمين الصحي عاماً بعد عام، يجد كثير منهم أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما دفع مبالغ باهظة للعلاج، أو العودة إلى المغرب طلباً للرعاية في المستشفيات الوطنية.

أحد أفراد الجالية المغربية في روتردام عبّر عن خيبة أمله قائلاً: “كنا نعتبر هولندا نموذجاً في الرعاية، واليوم نخشى أن نعيش ما كنا نهرب منه في أوطاننا… انتظار طويل وعلاج للأغنياء فقط.”

في النهاية، يبدو تجميد الحزمة الصحية على الورق إجراءً تقشفياً محسوباً، لكنه في جوهره اختبار أخلاقي لقيمة الإنسان داخل دولة الرفاه الأوروبي. فإذا أصبحت صحة المواطن مرتبطة بقدرته على الدفع، فهل ما زالت هولندا كما عرفناها: بلد العدالة الاجتماعية والرعاية المتساوية؟

إن ما يحدث اليوم في هولندا ليس مجرد نقاش حول الميزانيات، بل هو تحوّل صامت في فلسفة الرعاية نفسها: من “حق للجميع” إلى “امتياز لمن يملك”. وهو ما يجعل الجاليات، خصوصاً المغاربة، تتساءل بمرارة: إذا كانت أوروبا بدأت تُغلِق أبواب العلاج في وجه مواطنيها، فماذا بقي من “النموذج الأوروبي” الذي لطالما صدّر للعالم دروساً في العدالة والإنسانية؟

 

19/10/2025

Related Posts