تعيش الأوساط الصحية بالحسيمة والإقليم على وقع شهادات صادمة تُعمّق جراح القطاع وتؤكد وجود اختلالات إدارية خطيرة، ساهمت في تفاقم ما وُصف بـ”النزيف الطبي” وهجرة الكفاءات، في وضع يهدد استمرارية الخدمات الصحية ويؤثر على حياة المرضى.
في أعقاب التصريحات الجريئة للدكتورة وداد أزداد، خرجت زميلتها الدكتورة ليلى، طبيبة الأشعة السابقة بالمستشفى الإقليمي بالحسيمة ، لتدعم روايتها وتكشف تفاصيل جديدة حول “التعسف الإداري”، الذي اضطرها إلى مغادرة الإقليم والقطاع العمومي، مطالبةً بفتح تحقيق ومحاسبة المسؤولين وجبر الضرر.
“ليلى”: شاهدة على الترهيب الإداري والضغط المهني
تقول الدكتورة ليلى، التي اشتغلت بقسم الأشعة لمدة عام ونصف، إنها كانت من أبرز ضحايا “الترهيب الإداري”، مشيرة إلى أن الإدارة الإقليمية أبدت “لامبالاة غير مفهومة” تجاه الوضع الصحي بالإقليم، رغم النقص الحاد في الأطر الطبية، خصوصاً في قسم الأشعة الذي يُعتبر مرفقاً محورياً.
وتوضح أن هذا الواقع الصعب أجبرها على مغادرة الإقليم والقطاع العمومي نهائياً، بعدما أصبحت الطبيبة الوحيدة في القسم، في وقت قوبلت فيه جميع محاولاتها لإنقاذ المصلحة بالرفض والتعنت من طرف المندوب الإقليمي للصحة .
محسوبية وتشهير وتعطيل للمصالح الصحية
أكدت الدكتورة ليلى أنها، مثل زميلتها وداد، تعرضت لحملة تشهير “ممنهجة” تمس سمعتها، حيث كانت تُتهم بأنها “متكبرة ومتغيبة”، بل و”تحتقر أبناء الريف”، وهو ما خلق توتراً مع الساكنة وأثر على عملها.
وأضافت أن من بين أبرز الإشكالات التي واجهتها الزبونية واستعمال النفوذ، موضحة أن بعض المسؤولين كانوا يفرضون إجراء فحوص غير مستعجلة لفائدة أشخاص محددين بدافع “المصلحة الشخصية”، في حين كانت الطلبات الضرورية لخدمة المرضى – مثل تجهيز قسم الأشعة بنظام “PACS” لأرشفة ملفات مرضى السرطان – تُقابل بالرفض، رغم ارتفاع عدد الإصابات في الإقليم.
من الإرهاق المهني إلى “التحرر الباهظ”
تحكي الطبيبة أنها بعد مغادرة زميلتها أصبحت تتحمل عبء إقليم بأكمله لوحدها، قائلة:
“ثلاث طبيبات لم يكنّ كافيات لتلبية الطلب، فكيف يُنتظر من طبيبة واحدة أن تتكفل بكل الفحوص الخاصة بالسكانير والراديو والصدى لإقليم كامل؟”
وتشير إلى أنها تعرضت للتهديد والضغط، وحرمت من العطل الأسبوعية والإجازات، واضطرت إلى العمل المتواصل ليلاً ونهاراً تحت طائلة العقوبات، ما أدى إلى تدهور حالتها الصحية والنفسية ووصولها إلى مرحلة الاحتراق الوظيفي.
وفي نهاية المطاف، اضطرت لمغادرة القطاع العمومي بعد أداء 850 ألف درهم (85 مليون سنتيم)، مبلغاً ضخماً تكفلت به عائلتها لإنهاء ارتباطها بالإدارة .
إحصائيات مزورة ونقص مفتعل
تطرقت الدكتورة ليلى إلى ما وصفته بـ”التلاعب بالإحصائيات”، مؤكدة أن التقارير الموجهة للوزارة كانت تتضمن أرقاماً غير واقعية حول عدد الفحوص المنجزة، ما أدى إلى تقليص الموارد البشرية وعدم إرسال أطباء جدد، معتبرة أن هذا السلوك “يُكرّس أزمة القطاع ويُعرّض حياة المرضى للخطر”.
مطالب بالتحقيق والمحاسبة
في ختام شهادتها، طالبت الدكتورة ليلى بفتح تحقيق نزيه في ظروف عمل الأطر الصحية بالإقليم، ومحاسبة المسؤولين عن سوء التدبير، مؤكدة أن ما يجري “لا يمس فقط الأطباء، بل يهدد الحق في الصحة لآلاف المواطنين”.
وقالت:
“غادرنا الحسيمة مُكرهين، بعد أن استُنزفنا نفسياً وجسدياً… نطالب بإنصاف الأطباء الضحايا، لأن استمرار هذا الوضع يعني موتاً بطيئاً للمنظومة الصحية في الإقليم.”
20/10/2025