kawalisrif@hotmail.com

خطة أمنية جديدة في الجنوب الإسباني لمحاصرة تهريب الوقود “البيتاكيو”

خطة أمنية جديدة في الجنوب الإسباني لمحاصرة تهريب الوقود “البيتاكيو”

في خطوة تعكس تصعيدًا أمنيًا غير مسبوق في الجنوب الإسباني، أعلنت الحكومة الإسبانية عن إطلاق خطة أمنية جديدة تستهدف ما يُعرف محليًا بـ“البيتاكيو” — وهي شبكات متخصصة في تهريب وتوزيع الوقود والمؤن على القوارب السريعة التي تُعرف باسم “الناركلانشاس”، والمستخدمة في تهريب المخدرات عبر مضيق جبل طارق.

تأتي هذه الخطوة بعد جدل سياسي متصاعد داخل مدريد، حيث اتهم الحزب الشعبي الحكومة الاشتراكية بـ“التقاعس” في مواجهة هذه الظاهرة، التي تحوّلت إلى رئة لوجستية لمافيات التهريب الدولية، مهددةً الأمن والاستقرار في الجنوب الإسباني.

وبحسب المعطيات الرسمية، فإن الخطة الأمنية الرابعة لمنطقة مضيق جبل طارق (2024-2025) ترتكز على تفكيك شبكات التموين البحري التي توفر الدعم اللوجستي لقوارب المخدرات المنطلقة نحو الضفة المغربية.

منذ إطلاق أول خطة أمنية سنة 2018، تحولت المنطقة إلى ساحة مواجهة مستمرة بين الأجهزة الأمنية الإسبانية وتنظيمات إجرامية تتكيف بسرعة مذهلة مع الضربات الأمنية، مستعملة القرى الساحلية الصغيرة كمخازن سرّية للوقود ونقاط مراقبة لعمليات الإمداد الليلي.

وأكدت الحكومة الإسبانية أن الاستراتيجية الجديدة ستكون أكثر مرونة وتكيّفًا مع الأساليب المتطورة للعصابات، مع تخصيص ميزانيات إضافية لتحديث العتاد الميداني وتعزيز صفوف الحرس المدني والشرطة الوطنية، خصوصًا في النقاط البحرية الأكثر نشاطًا.

من جانب آخر، أفادت مصادر أمنية مغربية أن التنسيق بين الرباط ومدريد بلغ مستويات متقدمة في مجال مكافحة شبكات التهريب عبر المضيق، في إطار تبادل استخباراتي متواصل حول تحركات القوارب المشبوهة ومساراتها البحرية.

وخلال الأشهر الأخيرة، كثّفت الأجهزة المغربية، خاصة الدرك الملكي، عملياتها شمال البلاد، وتمكنت من تفكيك شبكات متخصصة في تهريب الوقود والمخدرات في مدن مثل طنجة والفنيدق والناظور.

ويرى المراقبون أن هذا التنسيق الثنائي يشكل ركيزة أساسية في الحرب المشتركة ضد اقتصاد التهريب الذي يُغذي شبكات الجريمة المنظمة على ضفّتي المتوسط.

أوضحت الحكومة الإسبانية في بيان رسمي أن نقل أو تخزين كميات كبيرة من الوقود يُعد مخالفة جسيمة، مؤكدة أن الجهود الحالية تتركز على تجفيف منابع التموين قبل وصولها إلى البحر، في محاولة لقطع “شريان الحياة” عن “الناركلانشاس” التي تواصل الإبحار ليلًا في تحدٍّ واضح للسلطات.

لكن التحدي، وفق المراقبين، يتجاوز البعد الأمني إلى الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، إذ يعتمد عدد من سكان المناطق الحدودية على أنشطة مرتبطة مباشرة أو غير مباشرة بالتهريب.

هذه المعادلة تجعل من الحرب على “البيتاكيو” صراعًا مزدوج الوجه: أمني وتنموي في آنٍ واحد.

في الضفة الإسبانية، تُرفع رايات الأمن وتُحصَّن المرافئ بالدوريات،
وفي الضفة المغربية، تسهر العيون في صمتٍ طويل لحماية الوطن من الخطر ذاته.

إنها معركة لا تُرى تفاصيلها إلا في ضوء القمر المنعكس على الموج، حيث تختلط رائحة الوقود بصوت المحركات، وتستمر لعبة القط والفأر بين الدولة والمافيا في سباقٍ لا يعرف الهدوء.

فـمضيق جبل طارق، الذي كان يومًا جسرًا للتبادل والتقارب بين القارتين، أصبح اليوم مسرحًا لصراع خفي بين القانون والفوضى، حيث يُختبر صبر الدولتين على حدودٍ لا يرسمها الجغرافيا فقط، بل ترسمها إرادة السيطرة على ممرٍّ يفصل بين الأمن والخطر… بين الضوء والظل.

تتصدّر شبكات “البيتاكيو” قائمة أولويات الخطة الأمنية الجديدة التي أعلنتها الحكومة الإسبانية، باعتبارها العصب الحيوي الذي يمدّ عصابات المخدرات بقدرتها على المناورة في عرض البحر.

وجاء هذا التوجه في ردٍّ كتابي رسمي من الحكومة الإسبانية على سؤال تقدّم به عدد من نواب الحزب الشعبي، من بينهم آنا بيلين فاثكيث، خوسيه إغناسيو روماني، ميغيل آنخيل ساستري أويا، ماكارينا لورينتي، وبيدرو إغناسيو غاياردو.

وقد عبّر النواب عن قلق متزايد من انتشار الظاهرة في مضيق جبل طارق، حيث تحولت شبكات “البيتاكيو” إلى نظام دعم لوجستي متكامل يغذي تجارة المخدرات ويُدر أرباحًا طائلة على المافيات، في الوقت الذي يشكّل فيه خطرًا متناميًا على عناصر الأمن والجمارك الإسبانية.

وأكدت الحكومة الإسبانية في ردها أن الاستراتيجية الأمنية المعتمدة يجب أن تظل ديناميكية وقابلة للتكيّف مع أساليب المافيات المتطورة، مشيرة إلى أن هذا النهج تم اعتماده منذ إطلاق الخطة الأولى سنة 2018، وتم تطويره لاحقًا عبر تعزيز الموارد البشرية والتقنية في مجالات الأمن الميداني والتحقيق الجنائي داخل محيط المضيق.

21/10/2025

Related Posts