بينما تترقب العواصم الكبرى تصويت مجلس الأمن نهاية أكتوبر الجاري حول قضية الصحراء المغربية، تتحول موسكو إلى ساحة صامتة للتنافس الدبلوماسي بين الرباط والجزائر.
لكن الفارق هذه المرة واضح: المغرب يتحرك بخطة مدروسة تعكس رؤية استراتيجية بعيدة المدى، في حين تبدو الجزائر منشغلة بردود الفعل ومحاولة اللحاق بما أنجزته الدبلوماسية المغربية خلال الأسابيع الأخيرة.
الزيارة التي قادت وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى موسكو لم تكن مجرد لقاء بروتوكولي، بل خطوة محسوبة تعيد تموقع المملكة داخل المشهد الدولي، وتؤكد أن الرباط قادرة على الجمع بين العمق الإفريقي والانفتاح على شركاء الشرق دون المساس بثوابتها.
توقيع اتفاقيات اقتصادية جديدة مع روسيا لم يكن سوى غطاءٍ لتقوية الجسور السياسية، ورسالة مفادها أن المغرب يربط الحوار بالمصلحة المشتركة، لا بالشعارات.
في المقابل، أعلنت الجزائر على عجل عن مكالمة هاتفية بين وزيرها أحمد عطاف ونظيره الروسي، في خطوة فسّرها مراقبون بأنها محاولة لتقليص المسافة التي أحدثها التحرك المغربي في قلب الدبلوماسية الروسية.
بيان الخارجية الجزائرية تحدث بلغة عامة عن “تصفية الاستعمار”، لكنّ المصطلح بدا وكأنه آتٍ من زمن آخر لا يتناسب مع التحولات الجارية في المنطقة ولا مع المواقف الدولية الجديدة التي تعتبر مبادرة الحكم الذاتي المغربية أساساً جدياً وواقعياً للحل.
مشروع القرار الذي سيُعرض على مجلس الأمن نهاية الشهر، يشير بوضوح إلى ضرورة استئناف المفاوضات “على أساس المقترح المغربي للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية”.
هذا التحول اللغوي في وثائق الأمم المتحدة ليس صدفة، بل نتيجة عمل دبلوماسي متراكم تقوده الرباط بثبات، مدعومة بمناخ من الثقة الدولية في جديتها.
أما موسكو، التي تمسك اليوم بمفاتيح التصويت بصفتها رئيسة المجلس، فتجد نفسها أمام خيارين:
إما الاستمرار في مقاربة رمادية لا تخدم مصالحها في المنطقة، أو الانفتاح على رؤية المغرب الواقعية التي تضمن استقرار شمال إفريقيا وتفتح المجال أمام تعاون اقتصادي متكامل.
من الواضح أن الرباط لا تراهن على اللحظة، بل على المدى الطويل.
فهي تدرك أن كسب ثقة روسيا ليس رهين اتصال أو موقف آني، بل ثمرة لعلاقات متوازنة تقوم على الاحترام والمصالح المتبادلة.
وفي المقابل، تواصل الجزائر تكرار خطابٍ متآكل فقد بريقه داخل المنتظم الدولي، بعدما تحوّل مشروع “تصفية الاستعمار” إلى ذريعة سياسية لا تتماشى مع الحقائق على الأرض.
ومع اقتراب موعد التصويت الأممي، تبدو الصورة أكثر وضوحاً: المغرب يتحدث بلغة المستقبل، بينما لا تزال الجزائر عالقة في مفردات الماضي.
22/10/2025