في قضية أثارت جدلًا واسعًا داخل الأوساط الحقوقية بإسبانيا، أسدلت المحكمة الوطنية الستار على ملف المواطنة المغربية راكيل، لتقضي بسحب الجنسية الإسبانية منها، بسبب إدانة سابقة تعود إلى عام 2013 بتهمة الاحتيال على الضمان الاجتماعي، رغم ما قدمته من أدلة تُثبت اندماجها الكامل في المجتمع الإسباني.
القصة، التي تعود جذورها إلى أكثر من عقد، تطرح اليوم أسئلة ملحّة حول الحدود الفاصلة بين القانون والإنسانية، خصوصًا في حالات المهاجرين الذين بنوا حياتهم على أرض المهجر واستوفوا جميع الشروط الاجتماعية، لكنهم يصطدمون بجدار القضاء الصارم.
تقدّمت راكيل، وهي مغربية الأصل وأم لطفلة إسبانية، بطلب الحصول على الجنسية الإسبانية بعد سنوات من الإقامة والعمل المنتظم ودفع اشتراكات الضمان الاجتماعي.
غير أن وزارة العدل رفضت طلبها، معتبرة أنها لا تُظهر حسن السلوك المدني، وهو شرط أساسي نصت عليه المادة 22.4 من القانون المدني الإسباني.
السبب ؟ إدانة تعود لعام 2013، بعدما أدينت بتزوير وثائق للحصول على إعانة اجتماعية قدرها 651 يورو، وهو ما اعتبرته المحكمة إخلالًا بقيم الأمانة والثقة العامة، حتى وإن تم تعويض المبلغ والغرامة ودفع الثمن القانوني.
أشارت الدائرة الثامنة للتقاضي الإداري إلى أن الاندماج الاجتماعي أو المهني لا يُعفي من ضرورة الالتزام بالسلوك المدني القويم.
وأكدت أن راكيل، رغم إقامتها المستقرة مع أسرتها وسجلها المهني النظيف خلال السنوات اللاحقة، لم تفِ بهذا المبدأ، لأن الجريمة تمسّ جوهر الثقة بين المواطن والدولة.
وفي حكمها، شددت المحكمة على أن: “من الصعب الحديث عن حسن سلوك مدني حين يكون الشخص قد لجأ إلى تزوير وثائق للحصول على منفعة اقتصادية غير مشروعة على حساب الخزينة العامة.”
أوضحت المدعية في مرافعتها أنها قضت العقوبة كاملة، وسددت كل المستحقات، ولم ترتكب أي مخالفة منذ ذلك الحين، مشيرة إلى أن: “الخطأ لا يجب أن يلازمها مدى الحياة”.
غير أن المحكمة رأت أن الجريمة، وإن مضى عليها أكثر من عشر سنوات، تتناقض مع مفهوم الولاء المدني للدولة الإسبانية، الذي يُعتبر أساسًا لاكتساب الجنسية.
وبذلك، تم تأكيد قرار الرفض وتحميل المدعية مصاريف الدعوى بمبلغ أقصاه ألف يورو، مع إمكانية الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا خلال ثلاثين يومًا.
تفتح هذه القضية باب النقاش حول صرامة القضاء الإسباني في قضايا الجنسية، خصوصًا تجاه المهاجرين من أصول مغربية، الذين يُطالبون بإثبات اندماجهم الكامل والالتزام المطلق بالقانون، بينما تُغفل السلطات في كثير من الأحيان البعد الإنساني والاجتماعي لهؤلاء الذين يسهمون في الاقتصاد الإسباني منذ عقود.
القضية تُعيد إلى الواجهة أيضًا التحديات التي تواجه أبناء الجالية المغربية، حيث تتحول الأخطاء الفردية الصغيرة أحيانًا إلى عقوبات دائمة تمسّ حق الانتماء والمواطنة.
قضية راكيل ليست مجرد نزاع قانوني على ورقة هوية، بل مرآة تعكس تعقيدات الاندماج في مجتمعات المهجر، حيث قد تُسقط زلة قلم أو وثيقة مزوّرة حلمًا طال انتظاره.
23/10/2025