kawalisrif@hotmail.com

مقال رأي :     الشباب بين السياسة والدراسة … ترتيب الأولويات لبناء المستقبل

مقال رأي : الشباب بين السياسة والدراسة … ترتيب الأولويات لبناء المستقبل

بقلم :   الدكتور نورالدين البركاني

من حق الشباب، بل من واجبهم، الاهتمام بالشأن العام والسياسة، لأنهم يمثلون طاقة الأمة ومحركها الأساسي نحو التغيير والإصلاح. فبدون وعي سياسي، يظل الشباب بعيدين عن المساهمة في رسم ملامح المستقبل الذي سيعيشون فيه. غير أن هذا الاهتمام، مهما كان محمودًا، لا ينبغي أن يتحول إلى انشغال كامل أو التزام مفرط يُلهيهم عن واجبهم الأول في هذه المرحلة من العمر: مرحلة الدراسة والتكوين وبناء المستقبل المهني والأسري.

إن سنوات الشباب الأولى، خصوصًا قبل سن الرابعة والعشرين أو الخامسة والعشرين، هي مرحلة البناء الذاتي، وتشكيل الهوية الفكرية والعلمية والمهنية. في هذه المرحلة، يكون الوقت أثمن من أن يُهدر في صراعات سياسية أو معارك انتخابية لا تناسب حجم التجربة ولا متطلبات المرحلة.

فالطالب الذي ينشغل بالسياسة على حساب دراسته قد يخسر فرصته في التفوق والتميز، بينما المتعلم المكوَّن جيدًا يكون لاحقًا أكثر نفعًا لوطنه، وأقدر على التأثير فيه بثقة وكفاءة.

السياسة تحتاج إلى وعي، والوعي لا يُبنى بالشعارات، بل بالعلم والمعرفة والتجربة. لذلك، من الحكمة أن يركّز الشباب في البداية على تحصيل العلم، وتطوير المهارات، وصقل التجارب، لأنها هي التي تمنحهم أدوات التحليل والفهم والنقد البنّاء عندما يلجون عالم السياسة لاحقًا.

ولا يعني ذلك أن يُعرض الشباب عن السياسة كليًا، بل المطلوب هو الاهتمام الواعي والمتزن. يمكن للشباب أن يتابعوا الأخبار الوطنية والدولية، وأن يشاركوا في النقاشات العامة، وأن يكوّنوا لأنفسهم مواقف فكرية متزنة من القضايا الكبرى التي تهم الوطن والعالم. فالمعرفة السياسية جزء من التكوين الثقافي للمواطن الصالح، لكنها لا يجب أن تكون على حساب بناء الذات العلمية والعملية.

وفي المقابل، عندما يبلغ الشاب مرحلة النضج الكافي — بعد التكوين والدراسة — يصبح من الطبيعي أن ينخرط في العمل السياسي أو الجمعوي أو المدني، وأن يشارك بفاعلية في المحطات الانتخابية، سواء بالتصويت أو بالترشح، لأن ذلك من صميم المواطنة المسؤولة.

إن بناء وطن قوي لا يتحقق فقط بشباب متحمّس، بل بشباب واعٍ ومكوَّن، يجمع بين الفكر والعمل، والحماس والعقلانية، والاندفاع والانضباط. فالوطن لا يحتاج إلى شباب يستهلكهم الصراع السياسي في سن مبكرة، بل يحتاج إلى شباب يُتقنون العلم والعمل أولًا، ثم يساهمون في تدبير الشأن العام بخبرة ومعرفة وضمير حيّ.

— توصية أخيرة

اجعل السياسة في شبابك مجالًا للمعرفة لا ميدانًا للصراع.

استثمر وقتك في التعليم والتكوين، فهما رأس مالك الحقيقي.

وعندما تكتمل أدواتك، ادخل عالم السياسة بثقة ووعي، لتخدم وطنك بصدق وكفاءة.

23/10/2025

Related Posts