أغلق الكولونيل أنطونيو تيخيرو آخر صفحة من حياته الصاخبة، بعد أن فارق الحياة عن عمر ناهز 93 عامًا في منزله بمدينة فالنسيا، وفق ما نقلته وكالة “يوروبا بريس” الإسبانية. رحل الرجل الذي تحوّل اسمه إلى أحد أكثر الأسماء إثارة للجدل في الذاكرة السياسية الإسبانية، بعدما قاد أكثر اللحظات توترًا في تاريخ الديمقراطية الحديثة للبلاد.
في مساء الثالث والعشرين من فبراير 1981، توقّف الزمن في مدريد عند الساعة 18:23، حين اقتحم تيخيرو، مرتديًا بزّته العسكرية وقبعته الشهيرة، قاعة البرلمان الإسباني على رأس أكثر من 250 عنصرًا من الحرس المدني المسلح. رفع مسدسه نحو السقف وأطلق رصاصات تحذيرية وهو يصرخ: “الجميع يقف مكانه!” — العبارة التي ستخلّد اسمه في كتب التاريخ.
خلال أكثر من 17 ساعة، عاش 350 نائبًا لحظات من الرعب داخل مبنى مجلس النواب، محتجزين تحت تهديد السلاح. وبينما انبطح الجميع أرضًا، بقي ثلاثة رجال واقفين في تحدٍ نادر: أدولفو سواريز، رئيس الحكومة الأسبق، مانويل غوتييريز ميلادو نائبه، وسانتياغو كاريو زعيم الحزب الشيوعي الإسباني.
جاء الانقلاب بدعم من بعض القيادات العسكرية الرافضة لمسار إسبانيا الجديد بعد عهد فرانكو، خصوصًا بعد منح الحكم الذاتي للأقاليم وتقنين الحزب الشيوعي. وكان تيخيرو يعمل حينها بتنسيق مع الجنرال ألفونسو أرمادا والقبطان العام خايمي ميلانز دي بوش، الذي أعلن حالة الطوارئ في فلنسية وأمر الدبابات بالنزول إلى الشوارع.
لكن خطة “إنقاذ إسبانيا” التي حلم بها الانقلابيون انهارت سريعًا أمام صلابة موقف الملك خوان كارلوس، الذي خاطب الشعب بزيّه العسكري عبر التلفزيون في تلك الليلة الحاسمة، معلنًا رفضه التام لأي انقلاب على الدستور. كان ذلك الموقف بمثابة الضربة القاضية للمتمردين، ونقطة التحول التي منحت النظام الملكي في البلاد شرعية شعبية غير مسبوقة.
رحل تيخيرو بعد أكثر من أربعة عقود على تلك الليلة التي كادت تغيّر وجه إسبانيا، وظلّ اسمه إلى آخر أيامه رمزًا للانقسام بين ذاكرة الخوف وحنين الماضي العسكري.
23/10/2025