مدينة تيلبورخ الهولندية واحدة من أكثر القضايا السياسية إثارة هذا العام، بعدما تم تسريب وثيقة رسمية تكشف أن السياسية الهولندية من أصل مغربي، إسماح لهلاه (Esmah Lahlah)، كانت من بين أبرز المرشحين لتولي منصب عمدة المدينة، في واقعة وُصفت داخل الأوساط السياسية والإعلامية بـ”الفضيحة السياسية” التي هزّت الثقة داخل المؤسسات المحلية.
في يوليوز 2023، وجهت إسماح لهلاه رسالة رسمية إلى مفوض الملك بمقاطعة شمال برابانت، تعلن فيها نيتها الترشح لمنصب العمدة بدافع “حبها العميق للمدينة” ورغبتها في “خدمتها كما فعلت لسنوات من خلال الدفاع عن قضايا العدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر”.
غير أن هذه الرسالة، التي كان يُفترض أن تبقى سرية ومحصورة في نطاق إداري ضيق، وجدت طريقها بشكل غامض إلى صحيفة Brabants Dagblad، التي نشرت مضمونها، لتتحول القضية إلى زلزال سياسي وإعلامي من العيار الثقيل.
أثار التسريب موجة غضب واسعة داخل مجلس المدينة، حيث وصف رئيس لجنة الثقة في المجلس، هينك فان تيلبورخ، الواقعة بأنها “مؤلمة وصادمة ومخالفة لكل قواعد الأخلاق السياسية”.
وأكد أن تحقيقًا رسميًا فُتح لتحديد الجهة المسؤولة عن تسريب الوثيقة، لما يشكله ذلك من ضربة قاسية لهيبة الإدارة المحلية.
كما تقدمت بلدية تيلبورخ ومفوضية المقاطعة بشكوى رسمية إلى السلطات المختصة، معتبرتين ما وقع “اختراقًا خطيرًا للسرية المهنية”، في حين أشارت تسريبات إعلامية إلى أن بعض الأطراف السياسية ربما سعت إلى تشويه سمعة المرشحة أو إضعاف حظوظها في نيل المنصب.
في أول تصريح لها عقب التسريب، عبّرت إسماح لاله عن أسفها العميق لما حدث، مؤكدة أنها لم تشارك الطلب مع أي جهة حزبية داخل تحالف GroenLinks–PvdA.
وقالت لاله في بيان مقتضب: “كنت أتمنى أن تتم الأمور بشفافية واحترام للقواعد. ما حدث لا يضر بي فقط، بل يضر بثقة المواطنين في مؤسساتهم.”
بعد أسابيع من الجدل، أعلنت السلطات المحلية عن تعيين فلور غريبر-فان كولويك (Fleur Gräper-van Koolwijk) من حزب D66 كأول امرأة تتولى منصب عمدة تيلبورخ، خلفًا لـ ثيو ويترينغس.
غير أن اسم إسماح لاله لم يغب عن الأضواء، إذ يُجمع المراقبون على أنها كانت “الأكثر كفاءة وشعبية”، بحكم تجربتها الغنية كنائبة للعمدة وعضو بمجلس المدينة بين عامي 2018 و2023، حيث اشتهرت بدفاعها القوي عن الفئات الهشة وسياسات العدالة الاجتماعية.
وفي تعليق لافت، قال السياسي البارز فرانس تيمرمانز، أحد أبرز وجوه اليسار الهولندي: “إسماح لاله كانت ستكون عمدة رائعة لتيلبورخ… لكنني سعيد لأنها ستواصل خدمتها في البرلمان.”
تصريح أعاد إشعال الجدل حول الطريقة التي أُدير بها ملف التعيين، وعمّا إذا كانت الاعتبارات السياسية أو حتى العرقية قد لعبت دورًا خفيًا في استبعادها من المنصب.
التحقيقات لا تزال جارية، لكن المؤكد أن القضية خلفت هزّة قوية داخل المشهد السياسي الهولندي المحلي.
ففي بلد يُضرب به المثل في احترام السرية والنزاهة الإدارية، جاء هذا التسريب ليطرح أسئلة محرجة حول الشفافية والمساءلة داخل مؤسسات الحكم المحلي.
وفي انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات، يبقى الشارع الهولندي منقسمًا بين من يرى في إسماح لاله ضحية لعبة سياسية قذرة، ومن يعتقد أن ما جرى مجرد انعكاس لصراع النفوذ داخل الأحزاب.
لكن ما هو مؤكد أن اسم إسماح لهلاه خرجت من هذه العاصفة أكثر إشراقًا مما كان، لتتحول من مرشحة محلية إلى رمز نسائي مغربي الأصل يجسد الشجاعة والثبات في وجه العواصف السياسية.
24/10/2025











