في مشهدٍ يُعيد إلى الأذهان صراع الظلّ بين أجهزة الأمن وشبكات التهريب العابرة للحدود، شهدت سواحل مدينة تشيبّيونا (Chipiona) التابعة لإقليم قادس جنوب إسبانيا، فجر امس الجمعة، واحدة من أكثر العمليات الأمنية تعقيدًا في الآونة الأخيرة، بعدما نجحت وحدات الحرس المدني الإسباني في إحباط محاولة تهريب ضخمة لكمية من الحشيش المغربي تُقدّر بـ1.7 طن كانت في طريقها إلى السواحل الأندلسية.
وبحسب ما أوردته وكالة Europa Press نقلاً عن بيان رسمي، فقد تمّ رصد القارب المشبوه عبر نظام المراقبة الساحلية المعروف بـ SIVE، الذي يُعدّ من أكثر الأنظمة تطورًا في أوروبا، إذ يعتمد على رادارات حرارية متصلة بمراكز تحليل آنية قادرة على تتبع التحركات المريبة في عرض البحر.
أظهر الرصد أن القارب يسير بسرعة جنونية باتجاه الساحل الأندلسي، ما استدعى استنفارًا بحريًا وجويًا واسع النطاق، شاركت فيه دوريتان بحريتان ومروحية تابعة لسلاح الجو الإسباني، لتبدأ بعدها مطاردة ليلية مثيرة امتدت لعدة أميال بحرية.
ورغم محاولات المهربين الفرار بمساعدة قاربين إضافيين من نوع “ناركو لانشا” (Narcolanchas) – وهي زوارق فائقة السرعة يُصنّع بعضها خصيصًا لعمليات التهريب بين شمال المغرب وجنوب إسبانيا – فإن التكتيك المشترك بين الوحدات الجوية والبحرية مكّن من تطويق المهربين وشلّ حركتهم في عرض البحر.
وخلال العملية، تم اعتقال أربعة أشخاص كانوا على متن القارب الرئيسي الذي يبلغ طوله نحو 14 مترًا، ومزوّد بأربعة محركات قوية بقوة 350 حصانًا لكل منها. كما جرى حجز عشرات الرزم من الحشيش المغربي المعبأة في أكياس خيش بإتقانٍ يوحي بطابعٍ احترافي، إضافةً إلى كميات ضخمة من الوقود كانت معدّة لعمليات إمداد لاحقة في عرض البحر.
وفي عمليةٍ موازية، ضبطت وحدات أخرى من الحرس المدني قرب شاطئ روتا (Rota) أكثر من 114 برميل من البنزين، في ما بدا أنه شبكة دعم لوجستي متكاملة هدفها تزويد زوارق التهريب بالوقود دون العودة إلى اليابسة، وهو أسلوب بات شائعًا لدى المنظمات الإجرامية العابرة للحدود.
هذه العملية ليست استثناءً، بل حلقة جديدة في حربٍ صامتة تدور منذ سنوات بين أجهزة الأمن الأوروبية وشبكات تهريب المخدرات القادمة من شمال إفريقيا. فوفق تقارير أمنية إسبانية، باتت شبكات التهريب أكثر تنظيمًا، مستفيدة من التكنولوجيا الحديثة والمسارات البحرية السرية، فضلاً عن استغلال الأوضاع الاجتماعية الهشة في بعض المناطق المغربية لتجنيد شبابٍ عاطلين عن العمل مقابل مبالغ زهيدة.
ويؤكد مراقبون أن هذه العمليات تبرز من جهة نجاعة التنسيق الأمني المغربي الإسباني، لكنها من جهة أخرى تُنذر بأن اقتصاد البحر الأبيض المتوسط الخفيّ لا يزال ينبض في الظلام، تغذّيه المصالح والمال والبطالة والمخاطر.
في عرض البحر، حيث تلتقي الرياح بالتيارات، تتكسر الأمواج على زوارق لا تحمل سوى اليأس والمال الحرام. كل طنّ من الحشيش يُحبط، يخفي وراءه قصص شبابٍ ضاعوا بين الموج والحدود، بين الحلم الأوروبي والواقع المالح. وبينما تتواصل المعارك الخفية فوق سطح المتوسط .
25/10/2025











