في حادثٍ مأساوي يثير أكثر من علامة استفهام، شهدت المؤسسة السجنية بوجدة، أمس الخميس، واقعة انتحار غامضة بطلها سجينٌ في مقتبل العمر، وُجد جثة هامدة داخل زنزانته بعدما لفّ قماشًا حول عنقه وربطه بنافذة الغرفة، في مشهدٍ هزّ نفوس النزلاء وحراس السجن على حد سواء.
السجين الهالك، وهو من مواليد مدينة فاس، كان يقضي عقوبة سالبة للحرية مدتها أربع سنوات، بعد إدانته في قضية جنحية. ولم تمضِ سوى أشهر قليلة على دخوله أسوار المؤسسة حتى انتهت حياته في ظروف يكتنفها الغموض، وسط تضارب الروايات بين من يرجّح فرضية “الانتحار اليائس” ومن يشكّك في الملابسات التي أحاطت بالحادث.
مصادر متطابقة أكدت أن الحادث استنفر إدارة السجن والنيابة العامة، حيث تم فتح تحقيق دقيق بأمر من وكيل الملك للوقوف على الأسباب الحقيقية وراء هذا الفعل المأساوي، خصوصًا وأن السجين لم يكن مصنّفًا ضمن الفئة الخطرة أو التي تعاني من اضطرابات نفسية ظاهرة.
وفيما تم نقل الجثة إلى مستودع الأموات بالمستشفى الجهوي الفارابي قصد إخضاعها للتشريح الطبي، يظل السؤال العالق: هل كان السجين ضحية انهيار نفسي داخل جدران الوحدة الانعزالية، أم أن هناك خيوطًا خفية وراء “الانتحار” تستوجب كشفها؟
الحادث يعيد إلى الواجهة النقاش القديم الجديد حول ظروف الاعتقال، والحياة النفسية للسجناء داخل المؤسسات السجنية المغربية، خاصة في ظل ارتفاع حوادث الانتحار داخلها خلال السنوات الأخيرة. فهل تتحمل الإدارة وحدها مسؤولية الرعاية النفسية للنزلاء، أم أن المجتمع كلّه شريك في صناعة “صمتٍ قاتل” ينتهي بمآسٍ كتلك التي عرفها سجن وجدة؟
ويبقى المؤكد أن الجدران السميكة، مهما علت، لا تحجب الألم ولا تمنع الانهيار… وأن وراء كل رقم في سجلات السجون قصة إنسانٍ كان ينتظر فرصةً ثانية للحياة، لكنها لم تأتِ أبداً.
25/10/2025











