kawalisrif@hotmail.com

الأرجنتين على مفترق الإصلاح والاحتجاج :     انتخابات برلمانية تُختبر فيها شرعية “الوصفة الليبرالية”

الأرجنتين على مفترق الإصلاح والاحتجاج : انتخابات برلمانية تُختبر فيها شرعية “الوصفة الليبرالية”

تعيش الأرجنتين واحدة من أكثر لحظاتها السياسية حساسية منذ عقدين، إذ توجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في انتخابات برلمانية تُعد اختباراً مصيرياً لإصلاحات الرئيس خافيير ميلي، الرجل الذي جاء إلى الحكم على صهوة الوعود الليبرالية المتطرفة، ليجد نفسه اليوم محاصراً بين أرقام الاقتصاد الجافة وصوت الشارع الغاضب.

ميلي، الذي يرفع شعار “الحرية أو الفقر”، يسعى من خلال هذه الانتخابات إلى تعزيز كتلته الهشة داخل الكونغرس، أملاً في توسيع هامش المناورة لمواصلة برنامجه الاقتصادي القائم على الخصخصة، التقشف، وتحرير السوق، وهي وصفة لا تقل جرأة عن خطورتها، خاصة في بلدٍ خبر الانهيارات المالية المتكررة.

ورغم إشادة المستثمرين والدعم الأميركي السخي بقيادة دونالد ترمب، الذي وعد بخطة إنقاذ ضخمة قيمتها 40 مليار دولار، فإن هذا الدعم مشروط بتحقيق نتائج ملموسة، وهو ما يجعل ميلي في سباق مع الزمن للحفاظ على ثقة الخارج قبل أن يفقد صبر الداخل.

يتباهى الرئيس بخفض التضخم السنوي من أكثر من 200% إلى 31,8%، وباستعادة التوازن المالي لأول مرة منذ 14 عاماً، لكن هذه الأرقام التي تبهر الأسواق، لا تُقنع الشارع الذي يرى في “الاستقرار” وجهاً آخر للبطالة، حيث فقد أكثر من 200 ألف شخص وظائفهم، وتراجع الناتج المحلي بنسبة 1,8%، بينما اتسعت الهوة بين الفقراء والأغنياء إلى مستويات غير مسبوقة.

في الأحياء العمالية لبوينوس آيرس، تتحدث الأمهات عن “الإصلاحات” بصيغة الألم، لا السياسة. فبينما يحتفي ميلي بـ“نجاحه الاقتصادي”، يعيش المواطن البسيط على وقع الغلاء ونقص الخدمات وتراجع الأجور، ليصبح “الإصلاح” عنواناً لأزمة اجتماعية جديدة.

يتنافس المرشحون على نصف مقاعد مجلس النواب (127 مقعداً) وثلث مقاعد مجلس الشيوخ (24 مقعداً)، في معركة تُحدد مصير تحالفات ميلي ومستقبل معارضيه البيرونيين الذين لا يزالون يحتفظون بأكبر أقلية برلمانية.

ويرى مراقبون أن حصول ميلي على أكثر من 35% من الأصوات سيكون “انتصاراً معنوياً” يمنحه القدرة على تحصين مشروعه ضد محاولات المعارضة لإسقاطه أو الحد من صلاحياته.

لكن الرياح لا تسير دوماً كما يشتهي الاقتصاديون؛ فقد تراجعت شعبية الرئيس بفعل فضيحة فساد تورطت فيها شقيقته، رئيسة ديوانه، إضافة إلى تزايد السخط الشعبي من خفض الإنفاق العام وإلغاء الدعم الاجتماعي.

تتابع الأسواق العالمية هذه الانتخابات بعين القلق. فضعف أداء حزب ميلي قد يدفع إلى تخفيض جديد في قيمة العملة الوطنية (البيزو)، في محاولة لاحتواء التضخم المتراكم، بينما يُخشى أن يؤدي أي تعديل متهور في سياسات الصرف إلى إشعال موجة جديدة من الاحتجاجات.

تُختصر الانتخابات الأرجنتينية في سؤال وجودي: هل تستطيع الليبرالية المتوحشة أن تنقذ اقتصاداً مثقلاً بالديون والفقر، أم أنها ستغرقه في دوامة جديدة من التفاوت والاضطراب؟

يبدو أن الأرجنتين لا تختبر فقط رئيساً اسمه ميلي، بل تختبر فلسفة سياسية بأكملها، تراهن على السوق كمنقذ، فيما يراها الشارع خصماً جديداً باسم الاقتصاد.

26/10/2025

Related Posts