في عملية بحرية معقّدة، نفّذت الشرطة الوطنية الإسبانية بتنسيق مع النيابة العامة لمكافحة المخدرات وبدعم مباشر من البحرية الإسبانية، واحدة من أكبر الضربات الأمنية ضد شبكات التهريب الدولي، بعد اعتراض سفينة تجارية تحمل على متنها 6,500 كيلوغرام من الكوكايين، كانت تشق طريقها عبر المحيط الأطلسي نحو السواحل الإسبانية.
وتمت العملية على بُعد نحو 600 ميل بحري جنوب جزر الكناري، في إطار عملية سرية حملت طابعاً استخباراتياً دقيقاً، وانتهت باعتقال تسعة من أفراد الطاقم، بينما أكدت الشرطة أن السفينة كانت متجهة إلى ميناء فيغو في إقليم غاليسيا شمال غربي البلاد، في خطوة تشير إلى أن وجهتها النهائية كانت الأراضي الأوروبية.
جاءت هذه العملية النوعية عقب إخطار عاجل تلقته مدريد في 8 أكتوبر الجاري من وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية (DEA)، تضمّن معلومات حساسة حول تحركات شبكة إجرامية دولية تتخذ من الأطلسي ممراً استراتيجياً لتوريد الكوكايين من أمريكا اللاتينية نحو أوروبا.
وبحسب المصدر ذاته، فإن السفينة المعنية – من نوع supply ship وتحمل علم تنزانيا – كانت قد أبحرت من ميناء كريستوبال آنش في بنما، محمّلة بشحنة تجارية ظاهرية، بينما كانت تخفي في باطنها واحدة من أضخم الشحنات غير المشروعة المسجّلة هذا العام.
بعد أيام من التتبع عبر الأقمار الصناعية والطائرات الدورية، أعطيت إشارة الانطلاق في ليلة 22 أكتوبر.
ومن على متن إحدى سفن البحرية الإسبانية، نفّذت وحدة النخبة GEO عملية الاقتحام بدقة عسكرية عالية، وسط أجواء عاصفة ومياه متلاطمة.
وبمجرد السيطرة على السفينة، شرع فريق المحققين في تفتيش شامل أسفر عن اكتشاف مقصورات وهياكل معدنية سرية مخفية بعناية تحت الطبقات السفلية للسفينة، غير مدرجة في تصميمها الأصلي.
وقد تبيّن أن تلك المساحات كانت مهيّأة خصيصاً لتخزين شحنات الكوكايين بعيداً عن أنظمة الكشف الجمركي.
وأوضحت الشرطة الإسبانية أن وسائل الإعلام ستُتاح لها في الأيام المقبلة صور وتسجيلات رسمية توثّق لحظة الاقتحام ومراحل نقل المضبوطات إلى ميناء أريناغا بجزيرة غران كناريا، حيث يجري حالياً فرز الأدلة وتحليلها الجنائي.
ولم تكن هذه العملية استثناءً في الحرب الإسبانية ضد شبكات الكوكايين العابرة للحدود.
ففي 10 ماي الماضي، فككت الشرطة الوطنية، عبر فرقة GRECO التابعة للإدارة المركزية لمكافحة المخدرات، شبكة متخصصة في استخراج شحنات الكوكايين الضخمة المثبّتة أسفل خط الطفو في السفن التجارية القادمة من أمريكا الجنوبية نحو غاليسيا.
وأسفرت تلك العملية عن اعتقال ثمانية أشخاص، بينهم سبعة إسبان من منطقة رياس بايكساس وشخص من أصول ألبانية يحمل الجنسية الإسبانية.
وأشار رئيس وحدة GRECO في غاليسيا، إميليو رودريغيث، إلى احتمال وجود صلات مباشرة بين هذه الشبكات وبين منظمات الجريمة المنظمة في منطقة البلقان، التي باتت تُعرف بدورها النشط في إدارة مسارات الكوكايين من أمريكا اللاتينية إلى أوروبا الغربية.
بدأت الخيوط تتكشف حينما تلقت السلطات الإسبانية تحذيراً من وكالة DEA بشأن السفينة Crown Garnet المتجهة إلى ميناء مارين، والمشتبه في نقلها شحنة من الكوكايين داخل مقصورة مائية سرية مثبتة أسفل بدنها.
وخلال مداهمة ليلية بتاريخ 21 فبراير الماضي، تمكنت القوات من ضبط 120 كيلوغراماً من الكوكايين النقي، تبعها اكتشاف كميات إضافية من الحشيش والهيروين في عمليات متفرقة.
وأوضح رودريغيث أن هذه التقنية – المعروفة بـ”إخفاء الطرود تحت خط الطفو” – أصبحت الأسلوب المفضل لشبكات التهريب الحديثة، إذ تتيح لهم استغلال السفن التجارية العابرة دون الحاجة إلى امتلاك أسطول خاص، معتمدين على غواصين محترفين لتثبيت أو إزالة الحمولات.
كما صودرت في تلك العملية أجهزة دفع مائية متطورة تُعرف باسم “سيبوب” (Seabob)، تتيح للغواصين التحرك بدقة وسرعة فائقة تحت السفن، وهو ما اعتُبر تطوراً خطيراً في قدرات التهريب البحري الدولي.
تأتي هذه العمليات المتتالية لتؤكد أن إسبانيا أصبحت جبهة أمامية في الحرب الأوروبية ضد الكوكايين، بحكم موقعها الجغرافي الرابط بين أمريكا اللاتينية والقارة العجوز.
غير أن الخبراء يحذّرون من أن نجاح كل عملية كشفٍ لا يعني نهاية الطريق، بل يكشف عن نظام تهريب متطور يتجدد باستمرار، يدمج التكنولوجيا والملاحة والاستخبارات في معركة تخوضها شبكات عابرة للقارات ضد أجهزة الأمن.
وفيما تستعد السلطات الإسبانية لتقديم الموقوفين التسعة إلى القضاء، يظل السؤال معلقاً :
هل تم فعلاً قطع أحد شرايين التهريب الكبرى في الأطلسي، أم أن ما تم كشفه ليس سوى رأس جبل الجليد في شبكة أوسع تمتد من بنما إلى أوروبا؟
26/10/2025











