عاد ملف تمويل المساجد في مدينة سبتة المحتلة إلى واجهة النقاش مجددًا، بعدما فجّرت الأرقام المعلنة حول الدعم المالي المخصص لترميمها عاصفة من التساؤلات حول شفافية هذه الإعانات ومصدرها الحقيقي، خصوصًا في ظل تأكيدات رسمية سابقة بأن المغرب هو الجهة التي تتكفل منذ عقود بصيانة المساجد ودفع رواتب الأئمة في المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية.
فبحسب المعطيات الرسمية الصادرة عن حكومة سبتة ، صادقت السلطات المحلية الثلاثاء الماضي على اتفاقية تعاون بين “مدينة سبتة” و”اللجنة الإسلامية في إسبانيا”، ليتم توقيعها رسميًا في اليوم الموالي من طرف بيار أوروزكو، مستشارة التعليم والثقافة والشباب، وحميدو محمد، المندوب المحلي للجنة الإسلامية.
الاتفاقية تهدف، وفق ما جاء في نصها، إلى إصلاح وتهيئة المساجد وتحسين ظروف ممارسة الشعائر الدينية، عبر رصد 350 ألف يورو لمعالجة الاختلالات التقنية والهيكلية، من تدهور الأسقف والجدران والأرضيات، إلى تحديث الشبكات الكهربائية وأنظمة التهوية، فضلًا عن تهيئة فضاءات الولوج لذوي الإعاقة.
لكن هذه الأرقام، بدل أن تبعث على الطمأنينة، أثارت موجة من الشكوك بعد الكشف عن حجم التمويلات الكلي الذي بلغ قرابة مليون يورو هذا العام فقط (500 ألف من حكومة سبتة المحتلة، و450 ألفًا من الدولة الإسبانية).
تساؤلات عديدة طفت إلى السطح حول الجهة الفعلية المستفيدة من هذه المبالغ، خاصة في غياب تقارير تدقيق أو بيانات تفصيلية توضح مسار صرف الأموال، في وقت ما تزال فيه العديد من المساجد في وضع متردٍّ لا يعكس حجم التمويلات المعلنة.
يرى عدد من المراقبين في الرباط أن هذا “السخاء المالي” الإسباني يتجاوز البعد الديني الصرف، ويأتي ضمن محاولات متكررة لإعادة هندسة المشهد الديني في سبتة ومليلية، عبر خلق مؤسسات “إسلامية محلية” مستقلة شكليًا عن إشراف وزارة الأوقاف المغربية، في مسعى واضح لفصل الارتباط الروحي بالمغرب الذي ظل تاريخيًا المرجعية الدينية الوحيدة في المدينتين المحتلتين.
أما في سبتة، فقد عبّر بعض النشطاء المحليين عن تشكيكهم في شفافية هذه التمويلات، متسائلين عن مصير مئات الآلاف من اليوروهات التي تُصرف كل عام باسم “تهيئة المساجد”، دون أن يلمس المصلون أي تحسن حقيقي في واقع دور العبادة أو تجهيزاتها.
كتب أحد المعلقين المحليين في هذا السياق قائلًا: “كيف يمكن أن تُمنح هذه المبالغ الضخمة لتهيئة المساجد، بينما المغرب هو من يتحمل مصاريف الصيانة ورواتب الأئمة؟ يجب أن تكون هناك شفافية، وإلا فسنعتقد أن الأموال تتبخر في الطريق.”
تصريح يلخص شعورًا عامًا بين ساكنة المدينة، الذين باتوا يخشون أن تتحول هذه الإعانات إلى أداة سياسية بغطاء ديني، في ظل حساسية موقع سبتة التاريخي وتداخل النفوذ الإداري الإسباني بالانتماء الروحي المغربي.
وفي انتظار توضيحات رسمية من اللجنة الإسلامية الإسبانية حول كيفية تدبير هذه الاعتمادات، يبقى ملف المساجد في سبتة المحتلة عنوانًا جديدًا في علاقةٍ شائكة بين مدريد والرباط، حيث تختلط السياسة بالدين، ويذوب “الترميم” في دوامة التمويل، وتبقى الأسئلة معلقة…
من المستفيد الحقيقي؟ ومن الذي يريد إعادة تشكيل المشهد الروحي في مدينةٍ ظل أذانها مغربيًّا منذ قرون؟
26/10/2025











