وصلت المدمّرة الأميركية «يو إس إس غرايفلي» إلى ميناء بورت أوف سبين، عاصمة ترينيداد وتوباغو، على بعد كيلومترات قليلة فقط من السواحل الفنزويلية، في خطوة أعادت تسليط الضوء على تصاعد التوتر بين واشنطن وكاراكاس، وفتحت باب التأويلات حول أهداف التحركات العسكرية الأميركية في الكاريبي.
وتزامن وصول السفينة الحربية المجهزة بصواريخ موجهة مع إعلان السلطات المحلية أن وحدات من مشاة البحرية الأميركية ستشارك في تدريبات مشتركة مع قوات ترينيداد وتوباغو، وهي مناورات تقول واشنطن إنها تندرج ضمن جهود مكافحة تهريب المخدرات في المنطقة، غير أن فنزويلا ترى فيها استفزازاً مباشراً ومحاولة لإشعال فتيل مواجهة جديدة في حديقتها الخلفية.
في المقابل، يواصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب تصعيد خطابه ضد نظيره الفنزويلي القذر “نيكولاس مادورو” ، متهماً إياه بالضلوع في شبكات تهريب المخدرات، وهو ما نفته كاراكاس بشدة، معتبرة أن الولايات المتحدة تتذرع بمحاربة الجريمة المنظمة لتبرير تدخلاتها العسكرية ومحاولة فرض تغيير في الحكم بغية السيطرة على الثروات النفطية الهائلة التي تزخر بها البلاد.
في العاصمة بورت أوف سبين، انقسمت آراء السكان بين مؤيد للوجود الأميركي يرى فيه وسيلة لمكافحة الجريمة المنظمة، ومعارض يخشى أن يتحول الأرخبيل الصغير إلى ساحة صراع بين قوتين جارتين. بعض الأصوات عبّرت عن ارتياحها لـ”الحماية الأميركية”، بينما حذر آخرون من خطر الانزلاق نحو مواجهة قد تمتد نيرانها إلى المنطقة بأكملها.
الحكومة الحالية في ترينيداد وتوباغو، التي تتبنى خطاباً متشدداً إزاء المهاجرين الفنزويليين، اختارت الاصطفاف إلى جانب واشنطن، ما أثار مخاوف داخلية من فقدان البلاد لحيادها التقليدي في نزاعات القارة الأميركية.
التحركات الأميركية في الكاريبي ليست معزولة؛ فخلال الأشهر الأخيرة كثّفت واشنطن غاراتها الجوية ضد قوارب يتابعة لمهربي مخدرات، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى. غير أن خبراء القانون الدولي طرحوا تساؤلات حول شرعية هذه العمليات التي تجري في المياه الدولية من دون تفويض أممي أو محاولات لاعتقال المتورطين ومحاكمتهم.
في الأثناء، يعيش آلاف الفنزويليين المقيمين في ترينيداد وتوباغو حالة ترقب وقلق حيال ما يمكن أن تؤول إليه التطورات. فبينما يرى البعض في الضغط الأميركي أملاً في دفع مادورو إلى الرحيل، يخشى آخرون أن يؤدي التصعيد العسكري إلى إشعال حرب جديدة في منطقة أنهكتها الأزمات الاقتصادية والسياسية.
الوجود العسكري الأميركي المتزايد قرب السواحل الفنزويلية يعيد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة، حيث تتقاطع المصالح الاستراتيجية مع روايات “مكافحة المخدرات” و”حماية الديمقراطية”. وبين رواية واشنطن التي تقدم نفسها كشرطي عالمي، ورواية كاراكاس التي ترى في ذلك ذريعة للهيمنة، تبقى شعوب الكاريبي هي الحلقة الأضعف في لعبة أمم تتجاوز حدودها الجغرافية.
27/10/2025











