في حلقة جديدة من مسلسل الفساد الذي يطارد مؤسسات الرعاية الاجتماعية في إسبانيا، أنهت الشرطة الوطنية في جزر الكناري تحقيقاً معقداً في المجال المالي والاقتصادي، أسفر عن اتهام أربعة مدراء لمراكز إيواء القاصرين الأجانب غير المصحوبين في كلٍّ من “غران كناريا” و“لانزاروتي”، إلى جانب رجل أعمال في قطاع العقار ومسؤول بإحدى المؤسسات التي يُعتقد أنها “مؤسسة الاستجابة الاجتماعية للقرن الحادي والعشرين”.
التحقيق الذي قادته وحدة الجريمة الاقتصادية والمالية (UDEF) انطلق سنة 2022 بناءً على تقرير من الهيئة الإسبانية لمكافحة غسل الأموال (SEPBLAC) التابعة لبنك إسبانيا، بعد رصد تحركات مالية مريبة لمسؤولي هذه المراكز، المعنية أساساً بإيواء القاصرين القادمين من دول الجنوب، ومن ضمنهم مغاربة قُصّر.
وبعد تفكيك آلاف الوثائق البنكية والمحاسبية، تبيّن أن المتهمين حوّلوا أموال الدعم الأوروبي المخصصة لاحتضان القاصرين إلى جيوبهم الخاصة. أموال كانت جزءاً من برنامج “الجيل القادم – Next Generation” الذي يروم دعم الهشاشة الاجتماعية وتعزيز الخدمات العمومية، لكنها تحوّلت إلى وقود لسيارات فارهة، ونفقات في مطاعم راقية، وسفرات سياحية، بل وحتى عمليات تجميل شخصية.
كما أظهرت التحقيقات وجود تلاعب ممنهج في عقود إيجار المباني التي تحتضن المراكز، حيث تم تضخيم الأسعار إلى ضعفين أو ثلاثة من القيمة الحقيقية، عبر شبكة من “الصفقات الداخلية” بين مدراء المراكز ورجل الأعمال العقاري، لتُضخّ الأرباح غير المشروعة في حسابات مصرفية أخرى أو تُستثمر في مشاريع عقارية بهدف تبييضها.
القضية تفجّرت حين أغلق أحد البنوك الإسبانية حسابات المؤسسة المشبوهة تطبيقاً لقانون مكافحة غسل الأموال رقم 10/2010، ليكتشف القضاء عند طلب الوثائق المحاسبية آلاف الفواتير المزيفة والمكرّرة، بعضها بلا تاريخ أو بخدمات وهمية لا علاقة لها بإدارة المراكز.
النيابة العامة المختصة بمكافحة الفساد والجريمة المنظمة في لاس پالماس أطلقت عملية “تابايبا”، وهو تحقيق دقيق استمر ثلاث سنوات بإشراف مباشر من النيابة الأوروبية. وأسفرت العملية عن توجيه التهم رسمياً إلى خمسة أشخاص: أربعة مدراء مراكز ورجل أعمال في العقار، إضافة إلى مؤسسة واحدة قيد المتابعة القانونية. جميع المتهمين بلا سوابق، وتتراوح أعمارهم بين 31 و61 سنة.
تضع هذه الفضيحة مجدداً العدسة على وجه مظلم من منظومة “رعاية القاصرين” في أوروبا، حيث تتحوّل مشاريع إنسانية إلى أدوات للإثراء غير المشروع على حساب الطفولة الهشّة. وبينما تتواصل التحقيقات لتحديد حجم الضرر المالي النهائي، يبقى السؤال الأخلاقي قائماً:
كيف يمكن أن يُسرق المال المخصص لإطعام طفل مشرّد، باسم “التضامن الأوروبي”؟
27/10/2025











