شهدت الحدود البرتغالية الإسبانية حادثاً مأساوياً جديداً يعكس مدى تمدد العنف المرتبط بشبكات تهريب المخدرات عبر مضيق جبل طارق نحو الأراضي البرتغالية. فقد لقي ضابط من الحرس الجمهوري الوطني البرتغالي (GNR) مصرعه، وأُصيب ثلاثة من زملائه بجروح، بعد أن تعرّض زورقهم لدَهس مباشر من قبل زورق سريع يُعتقد أنه تابع لشبكة لتهريب الحشيش.
الحادث وقع ليلة الاثنين 27 أكتوبر على مستوى منطقة ألكوتيم بإقليم الألغارف، على ضفاف نهر واديانا الفاصل بين البرتغال وإسبانيا. وأفادت وكالة الأنباء البرتغالية لوسا بأن الزورق المشتبه به، والذي يشبه عادة الزوارق المستخدمة في نقل المخدرات من شمال المغرب نحو أوروبا، رفض التوقف لأوامر الدورية واندفع بسرعة جنونية ليصطدم مباشرة بزورق الحرس الجمهوري، مما أدى إلى مقتل القبطان بيدرو ماناتا سيلفا (50 سنة) على الفور، بينما نُقل زملاؤه الثلاثة إلى مستشفى مدينة فارو بإصابات متفاوتة.
السلطات البرتغالية فتحت تحقيقاً رسمياً لتحديد خلفيات الحادث وهوية المتورطين، خاصة بعد أن عُثر على الزورق المهاجم محترقاً على بعد كيلومترات من موقع الحادث. وتشير الفرضيات الأولية إلى أن العملية مرتبطة بشبكات تهريب الحشيش القادمة من السواحل المغربية نحو أوروبا.
وفي التفاصيل، فقد تلقت الدورية البرتغالية إنذاراً من الحرس المدني الإسباني الذي كان يتتبع تحركات الزورق المشبوه من الجانب الإسباني من النهر. وبعد الاصطدام، فرّ المهربون نحو البرّ البرتغالي تاركين الزورق خلفهم، فيما شاركت مروحيات إسبانية في عملية التمشيط دون أن يتم القبض على أي مشتبه به حتى الآن.
الحادث خلف صدمة عميقة داخل المؤسسة العسكرية البرتغالية، حيث أصدرت قيادة الحرس الجمهوري بياناً قالت فيه: “لقد رحل زميلنا أثناء أداء الواجب، بشجاعة وتفانٍ كما يليق برجال الحرس. ستظل ذكراه خالدة في قلوبنا.”
ويعيد هذا الحادث للأذهان مأساة مدينة برباطي الإسبانية في فبراير 2024، حين قُتل شرطيان من الحرس المدني بعد أن دهسهما زورق مشابه في ظروف متطابقة تقريباً.
يمثل هذا التطور الخطير دليلاً إضافياً على أن خطر شبكات التهريب لا يقتصر على السواحل المغربية أو الإسبانية فقط، بل يمتد ليشمل كامل المجال الأورو-متوسطي. فهذه العصابات العابرة للحدود، التي تنشط بين شمال المغرب وجنوب أوروبا، تستعمل تقنيات متطورة وزوارق سريعة قادرة على المناورة في المياه الضيقة والأنهار الحدودية مثل واديانا.
ورغم أن المغرب يخوض حرباً شرسة ضد شبكات التهريب الدولية عبر مراقبة موانئه وسواحله الجنوبية والشمالية، إلا أن أوروبا نفسها باتت تواجه وجهاً آخر من هذا الخطر الذي لا يعترف بالحدود.
إن مأساة الحرس البرتغالي في واديانا تؤكد مجدداً أن التصدي للمهربين يقتضي تعاوناً مغربياً–إيبيرياً أعمق، يتجاوز تبادل المعلومات إلى تنسيق ميداني دائم، لأن الجريمة المنظمة لم تعد تفرّق بين طنجة وألغارف، ولا بين سبتة وقادس.
وفي النهاية، يبقى ضحايا هذه الحرب الصامتة – من رجال الأمن في الضفتين – ثمناً مؤلماً لسلامة المتوسط، في انتظار أن تتحول مكافحة التهريب إلى معركة جماعية لا موسمية، تُحترم فيها التضحيات ولا تُستغل سياسياً.
28/10/2025











