في وقت تتباهى فيه مدريد بصرامتها الأمنية وبكونها “بوابة أوروبا”، يكشف الواقع وجهًا آخر أكثر قتامة !! إسبانيا تحوّلت إلى أكبر مركز لوجستي لتجارة المخدرات في العالم، في ظل صمت رسمي مريب وتواطؤ اقتصادي مقنّع.
فكما في سواحل المغرب، لم يعد الحديث عن تجارة المخدرات مجرد حكاية عصابات أو مطاردات بحرية، بل أصبح ملفًا استراتيجيًا متشابكًا تتقاطع فيه خيوط المال والسياسة والأمن.
يقول الصحفي الإسباني “لوزانو” في كتابه الجديد «Narco, S.A» إن “عالم المخدرات في إسبانيا تجاوز كل الخطوط الحمراء الممكنة.”، وهي شهادة قاسية لكنها صادقة، تُعرّي نظامًا سمح بتغلغل الجريمة المنظمة داخل المؤسسات، بل وجعل منها لاعبًا اقتصاديًا مؤثرًا.
الكتاب يرسم خريطة دقيقة لعالم يتحوّل فيه المهربون إلى رجال أعمال، وتصبح الشبكات شركات عابرة للحدود تُغسل أموالها في العقار، والمطاعم، والرياضة، بل وحتى في الحملات الانتخابية.
لقد صار “الكوكايين” سلعة تُدار بعقلية السوق، تُحدّد قيمتها بورصة الجريمة، وتُحرس مساراتها بمستوى من التنظيم يفوق قدرات الأجهزة الرسمية.
ويستحضر لوزانو في مقدمة كتابه قضية “فيياصيس”، التي صدمت الرأي العام الإسباني بعد أن نقلت العنف من الأزقة المعزولة إلى عتبة المنازل في قلب مدريد، مؤكدة أن الجريمة لم تعد “عالمًا سفليًا”، بل جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية.
بالنسبة للمغرب، لا يمكن قراءة هذا المشهد دون التوقف عند تشابك المسارات بين الضفتين. فبين طنجة والجزيرة الخضراء، وبين الحسيمة والجزيرة الشقراء، تمر طرق خفية تحمل أكثر من البضائع: تحمل اقتصادًا موازيًا يُعيد رسم خريطة السلطة والثراء.
ورغم الجهود الأمنية التي تبذلها المملكة المغربية لتجفيف منابع التهريب، تظل الحقيقة أن الشبكات تتغذى من ضعف التنمية في مناطق الشمال، ومن الإغراء السريع الذي يمنحه المال السهل في مواجهة البطالة والفقر.
وكما في الجنوب الإسباني، تنجح هذه الشبكات في شراء الصمت وتمويل الفساد، وفي بناء توازنات جديدة يصعب كسرها، لتصبح الجريمة منظمة أكثر من الدولة نفسها.
29/10/2025











