kawalisrif@hotmail.com

ماربيا … اختفاء المغربي الهولندي “جمال – ب”  في عملية “شرطة مزيفة” تهز أوروبا وتكشف الوجه الأسود لعصابات الكوكايين

ماربيا … اختفاء المغربي الهولندي “جمال – ب” في عملية “شرطة مزيفة” تهز أوروبا وتكشف الوجه الأسود لعصابات الكوكايين

في ليلة صيفية من غشت 2020، وعلى أحد شوارع ماربيا الراقية، أوقف رجال يرتدون زي الشرطة سيارة فاخرة، قبل أن يخرجوا راكبها بعنف وسط ذهول المارة وصراخ زوجته التي كانت إلى جانبه. الرجل الذي اختفى في ثوانٍ لم يكن سوى جمال ب.، شاب من أصول مغربية وُلد في مدينة رووسندال الهولندية، في الثانية والثلاثين من عمره، وأب لطفلين، معروف في أوساط الجالية كرجل أعمال ناجح في مجالي البناء والساعات الفاخرة. لكن بالنسبة إلى أجهزة الأمن الإسبانية والهولندية، كان واحدًا من أبرز الوجوه الصاعدة في شبكة دولية لتهريب الكوكايين تمتد خيوطها من روتردام إلى دبي والكوستا ديل سول.

منذ تلك الليلة، انقطعت كل الأخبار عنه. لا اتصال، لا فدية، لا جثة. وكأن الأرض ابتلعته. التحقيقات كشفت لاحقًا أن منفذي العملية كانوا ثمانية رجال يتحدثون الفرنسية، يرتدون زي الشرطة الإسبانية، ويعملون لحساب عصابات مختلفة من أوروبا الشرقية والغربية. تم توقيف بعضهم في فرنسا وإسبانيا، غير أن خطأ قضائيًا فادحًا في محكمة ماربيا أتاح لهم الخروج من السجن ومغادرة البلاد، ما أفقد القضية زخمها وأفلت المجرمون من العقاب.

تقاطعت الأدلة بين الشرطة الإسبانية ووحدات مكافحة المخدرات في هولندا، التي أكدت أن جمال كان يعيش حياة مرفهة، يمتلك سيارات بنتلي ورولز رويس، ويرتدي ساعة “ريتشارد ميل” بمئات الآلاف من اليوروهات. بل إن بعض المتورطين ذكروا في مكالمات هاتفية أنهم كادوا يختطفون شقيقه التوأم بالخطأ، وأن “الفرق الوحيد بينهما هو شكل اللحية”. كانت تلك التفاصيل الدقيقة كافية لتأكيد أن الرجل المستهدف كان جمال ب. نفسه.

في الأشهر التي سبقت اختفائه، دخل جمال في صراع خطير مع شركاء له بعد اتهامهم بسرقة شحنة كوكايين ضخمة تقدر بـ1200 كيلوغرام. ذلك النزاع أشعل حربًا صامتة في أوساط المافيا الهولندية المغربية، وأدى إلى سلسلة من الهجمات بالرصاص، بينها عملية إطلاق نار على فيلا في تينهوفن، قرب أوتريخت، يُعتقد أنها كانت تستهدف أحد المتورطين في سرقة الشحنة. اختطاف جمال جاء – وفق تحقيقات الشرطة – كفصل انتقامي في تلك الحرب القذرة، لكن ما يثير الغضب أن السلطات الإسبانية أغلقت الملف سنة 2023 بسبب إهمال إداري ساذج، بعدما نسيت النيابة طلب تمديد التحقيق في الآجال القانونية، فسقطت كل الأدلة التقنية التي جُمعت على مدى شهور.

يعتقد المحققون أن جمال كان يدير شبكته من دبي، التي تحولت إلى ملاذ جديد لأباطرة المخدرات من أصول مغربية وهولندية. وبعد اختفائه، تفككت الشبكة بالكامل، وظهرت أسماء أشقائه وصهره في ملفات تبييض أموال وتهريب، فيما دخلت أرملته في علاقة مع رجل أعمال إيراني مقيم في دبي، عدو لدود لأحد زعماء الكوكايين في هولندا، ما زاد الغموض وأشعل الشكوك من جديد.

تتبع الشرطة الإسبانية خيوطًا كثيرة قادتها إلى فيلا في كوين يُعتقد أن جثة جمال دُفنت تحت مسبحها، لكن الحفريات لم تثمر شيئًا. ومنذ ذلك الوقت، تحولت القضية إلى شبح يطارد ماربيا: مدينة الثراء والياخوت التي تلمع في النهار وتتعفن في الليل تحت أقدام شبكات المافيا الأوروبية. هنا يختلط الذهب الأبيض بالدم، وتصبح الحدود بين رجال الأعمال والمجرمين مجرد وهم، والشرطة الحقيقية تكاد تختفي وسط بحر من الشرطيين المزيفين.

بعد خمس سنوات من الصمت، لا أحد يعرف إن كان جمال حيًّا أم قُتل. لا أحد أُدين، ولا جثة عُثر عليها. فقط ملف ضائع بين ماربيا وبريدا، وفضيحة قضائية أظهرت كيف يمكن للمال أن يشتري الصمت والحرية وحتى العدالة.

قضية جمال ب. ليست فقط قصة جريمة منظمة، بل مرآة لعصر كامل من الجيل المغربي المهاجر الذي صعد من الضواحي إلى القصور، قبل أن يسقط في فخ المال السهل والكوكايين. هي حكاية مدينة أوروبية تصدّر الرفاهية وتخفي في قلبها جثثًا بلا أسماء. في ماربيا، لا يعلو صوت الحقيقة على صوت المحركات الفارهة، ولا شيء يلمع أكثر من الساعات التي تزين معاصم تجار الموت.

29/10/2025

Related Posts