في وقتٍ كان فيه سكان الناظور يترقبون بقلوب مفعمة بالأمل تفعيل اتفاقية الشراكة بين عمالة الإقليم ومؤسسة “أصدقاء القلب والشرايين بالناظور والدريوش”، بدأ المشروع الصحي الطموح يعاني اضطرابات خطيرة تهدد بضرب نبضه الحيوي كسكتة قلبية للمؤسسة والقطاع. فالمشروع، الذي وُصف حين توقيعه بأنه بوابة لإعادة الأمل إلى منظومة صحية منهكة، تصطدم اليوم بالبيروقراطية، وبطء المساطر الإدارية، وغياب التفعيل الفعلي، لتتحول المبادرة الواعدة إلى حالة من الانسداد الإداري قد تهدد بتوقف الأطر الطبية والشبه الطبية عن العمل.
رغم أن العامل جمال الشعراني أشرف شخصيًا على المشروع، وسهر على كل تفصيل منه في مقاربة استباقية واستراتيجية تهدف إلى سد الخصاص المهول في الأطر الصحية بالمستشفى الحسني والمراكز الإقليمية، إلا أن المبادرة اصطدمت بعراقيل إدارية من نوع خاص، حيث ضاعّت الوثائق بين مصالح العمالة والجماعات الترابية، وتعثرت عملية التفعيل، لتبقى المبادرة حبيسة مكاتب باردة تتجاهل نبض المرضى وحاجيات الساكنة.
المؤسسة المدنية المتعاقدة، التي حملت على عاتقها مسؤولية إنجاح المشروع، وجّهت مراسلات رسمية تكشف فيها عن حجم الصعوبات التقنية والإدارية التي قد تؤدي إلى توقف الأطر عن العمل. فبين صمت بعض المصالح، وتشتت التنسيق بين القطاعات المعنية، صار المشروع الصحي وكأنه يمر بـ”سكتة قلبية” حقيقية، حيث تتعثر أي محاولة لإعادة نبضه إلى الميدان.
ويُظهر التمويل السنوي المخصص للمشروع أن المبادرة ليست مجرد ورقة على مكتب، بل رهان حقيقي للتعاون المؤسساتي: مساهمة وزارة الصحة تبلغ 1.500.000 درهم، والمجلس الإقليمي 600.000 درهم، وجماعة الناظور 500.000 درهم، فيما تضيف جماعتي العروي وزايو 300.000 درهم لكل منهما. هذه الموارد المالية تعكس حجم الثقة والتطلعات، لكنها تبقى حبيسة الإجراءات البيروقراطية المعيقة.
اليوم، الأطر الطبية على شفا التوقف عن العمل، والمستشفى الحسني والمراكز الصحية تغرق في ضغط كبير، فيما يظل العامل الشعراني يسعى لإعادة نبض المشروع إلى مجراه الطبيعي، لكنه يجد نفسه في مواجهة “الآلة البيروقراطية الضاغطة”، التي تلتهم الوقت والجهد وتحول أي حراك إيجابي إلى مجرد مراسلات وتأجيلات متكررة.
الساكنة لم تعد تطالب بالمعجزات، بل فقط تحويل الاتفاقيات إلى أطباء، أجهزة، وخدمات حقيقية في الميدان. فالمغرب الجديد، الذي ينشده جلالة الملك، لا يقبل أن تُجهض المبادرات المواطنة في مهدها، ولا أن تُحاصر مشاريع الصحة في طوابير التأشير والمراسلات، إذ أن المرض الحقيقي اليوم ليس في المستشفى بل في المكاتب البيروقراطية التي تشل الحركة وتؤخر أي نهوض حقيقي.
وفي ختام هذه المسيرة المليئة بالعراقيل، قد نصل إلى مفارقة ساخرة: يبدو أن المشروع الصحي بالناظور بحاجة إلى مفتاح سحري لإعادة نبضه، مفتاح لا يملكه إلا البيروقراطيون، بينما المواطن والأطر الطبية يراقبون من بعيد، يتساءلون: هل نحن أمام تجربة صحية أم نسخة حية من “سباق السلحفاة في المكاتب”؟ وفي انتظار أن تتحرك عجلة الإدارة، سيظل الناظور يشهد صراعاً بين إرادة عامل فاعل، وأذرع بيروقراطية تستطيع أن تُوقف أي قلب نابض، حتى لو كان قلب المبادرة نفسها.
29/10/2025











