kawalisrif@hotmail.com

الجزائر تشتري فندق “إل بالاس” التاريخي في برشلونة :     من رمزية الفساد إلى أداة لتلميع صورة النظام العسكري الفاشل

الجزائر تشتري فندق “إل بالاس” التاريخي في برشلونة : من رمزية الفساد إلى أداة لتلميع صورة النظام العسكري الفاشل

في مشهد تتقاطع فيه المصالح الاقتصادية مع الحسابات السياسية والدبلوماسية، كشفت صحيفة El Independiente الإسبانية أن الدولة الجزائرية أصبحت منذ غشت 2025 المالك الجديد لفندق “إل بالاس” (El Palace) الفاخر في برشلونة، المعروف سابقًا باسم “الريتز”، وأحد أعرق الفنادق في أوروبا.

هذه الصفقة أنهت أكثر من عقد من النزاعات القضائية والديبلوماسية حول ملكية العقار، الذي كان في السابق بيد رجل الأعمال علي حداد، أحد أبرز رموز حقبة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة والمعتقل حاليًا بتهم فساد ثقيلة.

التحويل تم عبر ما يسمى قانونيًا بـ“الدفع العيني للدين” (dación en pago)، أي تسديد الديون عبر تسليم الممتلكات.

وبحسب مصادر إسبانية، حصل الصندوق الوطني للاستثمار الجزائري (FNI)، التابع مباشرة لرئاسة الحكومة، على الملكية الكاملة للفندق الواقع في شارع “غران فيا دي ليس كورتيس كاتالاناس”، أحد أكثر الشوارع فخامة في برشلونة.

ووفق وثائق السجل العقاري الإسباني، لم تكن العملية مصادرة قضائية قسرية، بل تمت في إطار تسوية رضائية بين الدولة الجزائرية وحداد، ما يعكس وجود تفاهم ديبلوماسي هادئ بين مدريد والجزائر، رغم ما عرفته العلاقات بين البلدين من توتر على خلفية تغير الموقف الإسباني من قضية الصحراء المغربية.

تاريخ الفندق يمتد إلى سنة 1919 حين أسسه السويسري سيزار ريتز، أحد رواد صناعة الفنادق الفاخرة في أوروبا.

وفي عام 2011، اقتناه علي حداد من مجموعة “هوسا” الإسبانية التي كان يديرها رجل الأعمال ورئيس نادي برشلونة الأسبق خوان غاسبارت، مقابل نحو 70 مليون يورو، بتمويل جزئي من بنك سانتاندير.

لكن القرض تحوّل مع مرور الوقت إلى عبء مالي ثقيل، لينتهي المطاف بالعقار الفاخر في يد الدولة الجزائرية، في واحدة من أكثر صفقات “التوبة الاقتصادية” رمزية في عهد تبون.

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لم يُفوّت الفرصة لإبراز العملية كإنجاز وطني، إذ صرح مؤخرًا أمام قيادة الجيش قائلًا: “في إسبانيا، تمكنا من استرجاع فندق فاخر اقتناه أحد رجال النظام السابق بطريقة غير شرعية.”

ويأتي هذا الخطاب في إطار حملة النظام لتبييض صورته داخليًا وخارجيًا، وتقديم نفسه كسلطة جديدة تسعى إلى قطع الصلة مع “عهد الأوليغارشية” الذي ميّز فترة بوتفليقة.

غير أن كثيرين يرون أن هذه الحملة انتقائية، تستهدف رموزًا محددة دون أن تمس جوهر المنظومة التي لا تزال تتحكم في دواليب الاقتصاد والسياسة.

رغم أن العلاقات الجزائرية الإسبانية تمرّ بمرحلة برود ديبلوماسي بسبب الملف المغربي، إلا أن الصفقة تكشف وجود قنوات تواصل غير معلنة بين البلدين.

زيارة وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا إلى الجزائر مؤخرًا، وهي الأولى منذ اندلاع الأزمة، تُعتبر إشارة إلى أن البراغماتية الاقتصادية تتغلب على الخلافات السياسية، خصوصًا في مجالات الطاقة والاستثمارات.

تحوّل فندق “إل بالاس” إلى أداة رمزية في خطاب النظام الجزائري، لتأكيد قدرته على استعادة “الثروات المنهوبة” وتبييض صورة الدولة في الخارج.

غير أن هذا “النصر العقاري” يبقى، في نظر المراقبين، أقرب إلى عملية تجميل سياسي منه إلى إصلاح اقتصادي حقيقي، إذ لم تُفتح بعد ملفات أكبر تتعلق بعقارات وشركات جزائرية في فرنسا وسويسرا والإمارات.

من زاوية مغربية، تندرج هذه العملية ضمن سباق الجزائر لتلميع صورتها في أوروبا في وقت تتقدم فيه الدبلوماسية المغربية بخطى ثابتة في مجالات التعاون الاقتصادي والأمني، خاصة مع إسبانيا.

فالرباط اختارت طريق الاستثمار في المستقبل عبر مشاريع طاقية واستراتيجية (مثل مشروع أنبوب الغاز المغربي–النيجيري)، بينما تراهن الجزائر على الرمزيات التاريخية لتغطية عجزها البنيوي في تنويع اقتصادها وجذب الاستثمارات.

وفي النهاية، يبقى فندق “إل بالاس” شاهدًا على تحولات المال والنفوذ بين العهدين: عهد الأوليغارشية الذي راكم الثروات باسم الدولة، وعهد “الشرعية الجديدة” الذي يحاول إعادة كتابة القصة بطلاء وطني… لكن بالأسلوب نفسه.

29/10/2025

Related Posts