كشفت صحيفة إسبانية في تقرير جديد عن تراجعٍ غير مسبوق في تنفيذ أوامر طرد المهاجرين غير النظاميين من الأراضي الإسبانية، حيث لم تُنفَّذ سوى 17% فقط من قرارات الطرد الصادرة خلال سنة 2024، رغم الارتفاع الكبير في عددها.
فبحسب بيانات يوروستات، أصدرت السلطات الإسبانية خلال العام الماضي أكثر من 51 ألف أمر طرد، لكن لم يغادر التراب الإسباني فعلياً سوى 8.725 شخصاً، وهو أدنى معدل تنفيذي منذ بداية تسجيل هذه البيانات. وتُظهر الأرقام تراجعاً حاداً بنسبة 71% في تنفيذ قرارات الطرد خلال السنوات الأربع الأخيرة.
هذا الانخفاض الكبير يأتي رغم تصريحات رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز التي شدّد فيها على “ضرورة ترحيل المهاجرين غير النظاميين وفقاً للقانون الإسباني والأوروبي”. ورغم رفع الحكومة من وتيرة إصدار أوامر الطرد سنة 2024، فإن التنفيذ بقي في حدوده الدنيا، ما يكشف عن فجوة واضحة بين السياسات المعلنة والنتائج الفعلية.
وتُعزى هذه الفجوة – وفقاً لتقرير النيابة العامة الإسبانية لسنة 2025 – إلى الازدحام القضائي وصعوبة تحديد أماكن المهاجرين المعنيين بالطرد، بالإضافة إلى غياب التعاون القنصلي مع بلدان المنشأ، خصوصاً المغرب والجزائر، في ما يتعلق بتوثيق وإعادة رعاياهم.
رغم إصدار إسبانيا ما يقارب 550% من أوامر الطرد أكثر مما كانت عليه سنة 2021، فإن التنفيذ لم يواكب هذا الارتفاع. فعلى سبيل المثال، في النصف الأول من سنة 2025 تم إصدار أكثر من 31 ألف أمر طرد، لكن لم يُنفّذ منها سوى أقل من 10%.
ويؤكد وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا أن بلاده “تلتزم بالمساطر القانونية بدقة” وأن عمليات الترحيل لا تتم بشكل آلي، لكن الأرقام الرسمية تعكس واقعاً مختلفاً تُغلب فيه البيروقراطية والضغوط السياسية على الفعالية.
تُشير النيابة العامة الإسبانية إلى “صعوبات متزايدة في إعادة المواطنين المغاربة والجزائريين بسبب عراقيل قنصلية”، ما يضع الرباط ومدريد أمام ملف شائك يتقاطع فيه الجانب الإنساني بالأمني والسياسي.
ويأتي هذا الملف في وقت يشهد فيه الساحل الجنوبي للمتوسط موجات هجرة متواصلة نحو جزر الكناري والسواحل الأندلسية، الأمر الذي يجعل المغرب شريكاً محورياً في أي مقاربة أوروبية جديدة للهجرة.
تكشف هذه الأرقام عن ازدواجية صارخة في التعامل الأوروبي مع قضايا الهجرة: فبينما تُطالب مدريد والاتحاد الأوروبي الرباطَ بتشديد الرقابة على الحدود، تعجز السلطات الإسبانية نفسها عن تنفيذ قرارات طرد داخل أراضيها.
ويطرح ذلك تساؤلات حول جدوى المقاربات الأمنية الصرفة، مقابل غياب سياسات إدماج حقيقية أو تعاون متوازن يحترم كرامة المهاجرين وحقوقهم.
إن أزمة الطرد ليست سوى مرآة تعكس فشل المنظومة الأوروبية في إدارة الهجرة بإنسانية وفعالية، في وقت يواصل فيه آلاف الشباب المغاربة والمهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء البحث عن الأمل في الضفة الشمالية، رغم الأسوار والبحار والمخاطر.
31/10/2025