بينما تواصل الأميرة ليونور دي بوربون، وريثة العرش الإسباني، خطواتها الأخيرة في التكوين العسكري داخل الأكاديمية الجوية في سان خافيير، تعود الصحافة الإسبانية لتفتح ملفًا حساسًا ظلّ لعقود من التابوهات في القصر الملكي: زواج وريثة العرش.
الحديث لم يكن هذه المرة من باب الفضول الإعلامي، بل من منبر أكاديمي رفيع. فقد تناول خايـمي ألفونسين، الرئيس السابق لديوان الملك فيليبي السادس، في خطاب له أمام الأكاديمية الملكية للعلوم الأخلاقية والسياسية، موضوع “تعليم وريثة العرش ومهمة الحكم”، مشيرًا إلى أن قرار الزواج بالنسبة لليونور “سيكون من بين أهم القرارات في حياتها الشخصية والمؤسساتية على حد سواء”.
ألفونسين استحضر المادة 57.4 من الدستور الإسباني، التي تنص على أن زواج الوريث لا يتطلب موافقة الملك إلا في حال وجود معارضة رسمية، وهو تفصيل دستوري قد تبدو أهميته رمزية، لكنه يفتح النقاش حول مستقبل المؤسسة الملكية في بلد يعيش تجاذبًا متصاعدًا بين الجمهوريين والمدافعين عن النظام الملكي.
الخطاب، الذي حضره الملك فيليبي السادس شخصيًا، تجاوز الشق القانوني ليطرح تساؤلات عن ضرورة تحديث بعض الجوانب الدستورية، كمسألة أسبقية الذكور في وراثة العرش، وطرق تنظيم حالات التنازل أو الإعفاء من المهام الملكية.
في موازاة ذلك، تتصاعد الشائعات حول الحياة العاطفية للأميرة التي بلغت العشرين من عمرها، بين تكهنات وربط بأسماء من عالم الرياضة أو من زملائها في الأكاديمية، غير أن القصر الملكي يلتزم صمتًا صارمًا، في سلوك يعكس رغبة المؤسسة في حماية صورتها أمام الرأي العام، خصوصًا بعد الفضائح التي لاحقت الجيل السابق من آل بوربون.
بالنسبة للمراقبين، يبدو أن “الملف الشخصي” للأميرة ليونور أصبح جزءًا من معركة أوسع تتعلق بتجديد صورة الملكية الإسبانية وتحصينها أمام المتغيرات الاجتماعية والسياسية.
ففي حين ينشغل القصر في مدريد بتأهيل الأميرة لتولي مهامها العسكرية والدستورية، لا يبدو أن الحديث عن الزواج سوى حلقة جديدة في سردية الرمزية الملكية التي تحاول إسبانيا عبرها إعادة صياغة العلاقة بين العرش والمجتمع.
وهكذا، تبدو الأميرة ليونور، بوريثتها الممهورة بالذهب الملكي، عالقة بين قدرٍ يُصاغ في أروقة القصور وقلوبٍ تخفق خارجها. في مدريد، يراقب الإسبان ابتسامتها كما يراقبون بورصة الثقة في العرش، فيما ينسج الإعلام خيوط قصةٍ تتأرجح بين الواجب والعاطفة، بين الطموح والقدر.
لكن خلف المظاهر البروتوكولية والبزّات العسكرية، هناك رواية أخرى تُكتب بصمت… رواية “الملكية الجديدة” التي تحاول أن تتصالح مع زمنٍ لا يرحم الأسرار ولا يقدّس الرموز. من يدري؟ ربما تكون ليونور آخر أميرة في مملكة تتعلم كيف تحكم نفسها، أو أول ملكة تُعيد للعرش الإسباني هيبته المفقودة.
وفي انتظار الفصل القادم من هذا المسلسل الملكي، تبقى الكاميرات مسلطة، والعيون مترقّبة…
كأن التاريخ في مدريد يتهيأ لكتابة مشهدٍ جديد، بلون التاج… ولمسة من الغموض الإسباني الذي لا يخلو من دراميةٍ تليق بفيلمٍ من إخراج ألفريد هيتشكوك.











