في حي تمسقيذانت بجماعة أجدير بإقليم الحسيمة، تقف ودادية النسيم منذ تأسيسها سنة 2012 كنموذج فاضح للمشاريع العقارية التي ترفع شعار التنمية وهي في الحقيقة غارقة في شبهات التلاعب والزبونية واستغلال النفوذ.
ورغم أن المشروع يضم أكثر من 300 بقعة أرضية، فإنه ما يزال يعاني من غياب شبكة التطهير السائل، في وقت تتجاوز فيه نسبة الأسر المحرومة من هذه الخدمة الحيوية 70% من ساكنة أجدير، ما يجعل الوضع الصحي للسكان مهدداً في أية لحظة.
القضية لا تقف عند سوء التدبير، بل تتجاوزها إلى ما هو أدهى. فالرئيس السابق للجماعة المعزول الذي أدين بالسجن في قضايا تزوير واستيلاء على عقارات الغير، ترك خلفه إرثاً من الملفات المشبوهة، فيما سعى رئيس الودادية الحالي إلى إيجاد مخرج للمأزق دون جدوى، بعد أن وجه المنخرطون استعطافاً إلى العامل السابق للإقليم قصد التدخل ومنح التسليم المؤقت.
وتشير المعطيات إلى أن رئيس ودادية النسيم هو عمّ رئيس الجماعة السابق، الذي بدوره دخل السجن على خلفية قضايا فساد متعددة، ما يجعل العلاقة بين الودادية والمجالس المنتخبة خيوطاً متشابكة من المصالح العائلية والسياسية.
ووفق التصميم الأولي للمشروع، كانت الودادية قد برمجت عدداً من المرافق العمومية، من بينها ملعب قرب لكرة القدم بمساحة 1200 متر مربع، لكن “بقدرة قادر” تم استثناؤه من التصميم وبيعه للأملاك المخزنية بطرق ملتوية، في صفقة ما زالت تثير الريبة إلى اليوم.
كما تم تنصل الودادية من تحمل أعباء شبكة التطهير السائل، مع الضغط على رئيس الجماعة لإنجاز المشروع من مال الجماعة، في وقت يفترض أن تتحمل الودادية التكاليف الكاملة وفق القانون. أما الطريق المؤدي إلى التجزئة فلا يتجاوز عرضه ثلاثة أمتار فقط، رغم التزامات رئيس الودادية بشراء الوعاء العقاري لتوسيعه. إلا أن تلك الالتزامات تبخرت في الهواء، وظلت مجرد وعود حبر على ورق.
من جهة أخرى، يتحدث المنخرطون، وهم في الغالب من الطبقة الوسطى وأفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، عن تواطؤ مكشوف بين رئيس المجلس الإقليمي إسماعيل الريس وبعض التقنيين بالجماعة، الذين أغرتهم وعود مالية مقابل “جهود” لا تتعدى شهرًا من “سير واجي”. بل هناك من يلوّح بأن صفقات مناولة مع اتصالات المغرب جرى استغلالها لتوريط أطراف أخرى في هذا المستنقع العقاري المريب.
وفي ظل هذا التشابك بين المصالح العقارية والسياسية والانتخابية، تحوّل رئيس الجماعة الحالي إلى دمية تحركها خيوط الودادية، التي باتت أقرب إلى لوبي منظم يفرض منطقه الخاص على مؤسسات الجماعة، ويبتزها تحت غطاء “التعاون المشترك”.
الساكنة تعيش على وقع التهميش والغضب، والمراقبون المحليون يطالبون بتدخل حازم من السلطات الإقليمية لوقف هذا العبث، وإلزام ودادية النسيم بالوفاء بالتزاماتها القانونية والأخلاقية. فالوضع تجاوز حدود التساهل الإداري ليصبح وصمة عار في جبين التسيير المحلي بأجدير.
وهكذا، تظل ودادية النسيم “نسيمًا” خانقًا يلفح وجوه المنخرطين بدل أن ينعش آمالهم. ملعب القرب صار “ملعب البعد”، وشبكة التطهير تحولت إلى شبكة فساد، أما الطريق فبقي ضيقًا كما خيال من أداروا هذا الملف. وبين وعود العقار وواقع الغبار، يبدو أن الودادية نجحت في شيء واحد فقط: تحويل التنمية إلى نكتة والمواطن إلى متفرج على فصول مسلسل عبثي لا نهاية له.























