تعيش الأوساط السياسية والإعلامية في مليلية المحتلة على وقع جدل جديد، بعد أن أُلزمَت الحكومة الإسبانية بكشف التكاليف المالية لعملية إنقاذ زورق تابع للبحرية الملكية المغربية، الذي جنح قرب الميناء التجاري بالمدينة المحتلة أواخر سنة 2024.
وحسب صحيفة El Confidencial Digital الإسبانية، فقد تقدّم مواطن إسباني بطلب رسمي عبر “بوابة الشفافية” إلى الحكومة المركزية بمدريد، مطالبًا بتوضيح حجم الأموال العمومية التي صُرفت على العملية، وتفاصيل الموارد البشرية واللوجستيكية التي جرى تسخيرها لذلك.
الزورق المغربي كان قد علق على مقربة من “حاجز الجنوب” بمياه مليلية المحتلة، مما استدعى تدخل مصالح الإنقاذ البحري الإسبانية، ووحدات من الأمن والسلطات المينائية. استغرقت العملية عدة أيام إلى أن تمّ سحب السفينة وإعادتها إلى المياه الدولية، تمهيدًا لعودتها إلى ميناء بني أنصار المغربي.
إلا أن تأخر الحكومة الإسبانية في تقديم توضيحات رسمية حول العملية، وتكتمها عن حجم الإنفاق العام، أثار موجة من التساؤلات في الإعلام الإسباني، خصوصًا بشأن ما إذا كانت هناك اتفاقية ثنائية أو تعليمات سياسية مسبقة تبرّر هذا التدخل لفائدة وحدة عسكرية أجنبية.
وزارة النقل الإسبانية، التي تشرف على جهاز “الإنقاذ البحري”، رفضت في البداية تقديم الأرقام المطلوبة، مبرّرة ذلك بأن نشرها قد “يمس بالأمن العام والعلاقات الدولية”، في إشارة واضحة إلى الحساسية التي تحيط بالعلاقات مع المغرب.
لكن “مجلس الشفافية والحكامة الجيدة” الإسباني ألغى هذا الرفض، وأصدر قرارًا يُلزم الوزارة بالكشف عن تفاصيل الكلفة المالية، معتبرًا أن لا مبرر قانونيًا لإخفاء معطيات تهم إنفاقًا عامًا على تراب خاضع للسيادة الإسبانية (وفق المنظور الإسباني).
الملف الذي بدأ كحادث بحري بسيط، تحوّل إلى نقاش سياسي حول حدود التعاون بين مدريد والرباط، خاصة في ظل غياب اتفاقيات واضحة تنظم التدخلات البحرية المشتركة في المناطق المتاخمة، أو تغطي الأزمات العسكرية في المياه المتنازع عليها.
ويرى مراقبون في مدريد أن هذه القضية كشفت ارتباك الحكومة الإسبانية بين حرصها على الحفاظ على علاقات مستقرة مع المغرب، وبين مطالب الرأي العام الداخلي بالشفافية والمساءلة حول صرف المال العام.
رغم أن المصادر الرسمية أكدت أن الزورق المغربي لم يشكّل خطرًا بيئيًا أو بحريًا، إلا أن العملية استدعت تعبئة موارد بشرية وتقنية معتبرة. المواطن الإسباني الذي تقدم بالطلب يطالب اليوم بتحديد ما إذا كانت الرباط قد ساهمت في تغطية التكاليف، أو إذا كانت إسبانيا تتحملها كاملة.
حتى اللحظة، لم يصدر عن الحكومة الإسبانية أي رد رسمي نهائي، لكنها أصبحت قانونيًا ملزمة بنشر الأرقام خلال الأجل المحدد من قبل مجلس الشفافية.
وفي نهاية المطاف، يبدو أن الزورق المغربي أصبح نجمًا إعلاميًا في مليلية المحتلة أكثر من بعض الوزراء الإسبان أنفسهم، إذ كشف عن هشاشة الإجراءات والازدواجية في التعامل مع القضايا الحساسة. وربما سيصبح هذا الحادث درسًا تاريخيًا في “فن الصمت الرسمي” و”البيروقراطية الإسبانية في أبهى حللها”، حيث تُصرف الأموال العامة لإنقاذ سفينة أجنبية، ويظل المواطن يتساءل: هل كانت العملية درسًا في التعاون، أم مجرد مسرحية إدارية أخرى في عرض مستمر منذ عقود؟
بين جنوح الزورق المغربي وصمت مدريد، يتبين أن مليلية المحتلة لا تزال مساحة تجريبية للإبداع الإسباني في فنون الكتمان، بينما المغرب يراقب بهدوء: حذر دبلوماسي، ذكاء سياسي، وربما ابتسامة خفية. فالدرس واضح: إن لم تُحرك السفينة، فسيُحرك الرأي العام، وإن لم يُكشف عن التكاليف، فسيكشف الزمن كل شيء، وربما حتى الصحافة المغربية أكثر سرعة في متابعة الأحداث!
03/11/2025











