في تطور قضائي لافت، أصدر المحكمة العليا للأندلس (TSJA) حكمًا يقضي بإلغاء القرار السابق الذي ألزم بلدية الجزيرة الخضراء (Algeciras) بتمكين الجالية المسلمة من فضاء خاص للدفن وفق الشعائر الإسلامية داخل المقبرة البلدية، معتبرة أن البلدية لم تنتهك أيًّا من الحقوق الدستورية، وعلى رأسها حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية.
القرار، الصادر بتاريخ 29 أكتوبر 2025، جاء ليحسم نزاعًا امتد لأشهر بين بلدية المدينة ومسجد “الرحمة”، الذي كان قد طالب بتخصيص رُكنٍ داخل المقبرة البلدية لدفن المسلمين وفق الطقوس الإسلامية المنصوص عليها في اتفاقية التعاون الموقعة سنة 1992 بين الدولة الإسبانية والهيئات الإسلامية.
وبموجب هذا الحكم، تم إلغاء القرار القضائي الصادر في مارس الماضي، والذي كان قد اعتبر أن رفض البلدية يُعدّ مساسًا بالحرية الدينية. المحكمة العليا الأندلسية أكدت في المقابل أن المسألة تخضع لمقتضيات القانون الإداري والأنظمة الصحية والبيئية، وليس لمسطرة انتهاك الحقوق الأساسية.
من جانبها، شددت بلدية الجزيرة الخضراء على أن المقابر التابعة لها ذات طابع لاديني (aconfesional)، وتستقبل جميع المواطنين على اختلاف معتقداتهم، في احترام للتنوع الثقافي والروحي الذي يميز المدينة الواقعة في أقصى جنوب إسبانيا.
وأشار المجلس البلدي إلى أن مقبرة بوتافويغوس (Botafuegos) تضم أصلًا فضاءات مخصصة لدفن أشخاص من ديانات مختلفة، وفق الشروط الصحية والبيئية التي يفرضها القانون الإسباني.
وتوضح البلدية أن القوانين الأندلسية الخاصة بـ”الشرطة الصحية الجنائزية” تفرض معايير دقيقة للدفن في التراب دون نعش، وهي من الممارسات الشائعة في الدفن الإسلامي، مما يجعل إنشاء مقبرة إسلامية مستقلة أمرًا معقدًا من الناحية التقنية والبيئية.
وفي تصريحٍ له، رحّب عمدة الجزيرة الخضراء خوسيه إغناسيو لاندالوثي بالحكم، واعتبره تأكيدًا على مشروعية الموقف البلدي قائلاً: “لم يُنتهك أيّ حق ديني، فالمقبرة مفتوحة أمام جميع المواطنين دون تمييز، لكن لا يمكن إقامة مقبرة خاصة دون استيفاء الشروط القانونية والصحية الصارمة.”
وأضاف العمدة أن “المدينة ستواصل احترام جميع الأديان، لكنها في الوقت نفسه ملتزمة بالقوانين التي تضمن سلامة البيئة والصحة العامة.”
يُذكر أن القانون الإسباني رقم 49 لسنة 1978 وضع حدًّا لأي تمييز ديني في المقابر العامة، مؤكدًا على حق جميع المواطنين في الدفن وفق معتقداتهم، شريطة احترام الشروط التنظيمية. كما يسمح المرسوم الأندلسي 95/2001 بإمكانية الدفن دون نعش لأسباب دينية، لكن فقط بعد ترخيصٍ صريح من السلطات المحلية.
ويرى متابعون أن هذا الحكم يسلّط الضوء مجددًا على التحديات التي تواجهها الجاليات المسلمة في إسبانيا في ما يتعلق بحق ممارسة الشعائر الجنائزية وفق التقاليد الإسلامية، في ظل القوانين البيئية والصحية الصارمة.
وفي الوقت نفسه، يعتبر القرار تأكيدًا على التوازن الذي تسعى إليه الدولة الإسبانية بين حرية المعتقد والالتزام بالمقتضيات القانونية التي تنظّم الحياة العامة، في بلدٍ تتعايش فيه الديانات منذ قرون.
وهكذا، بينما ما تزال بعض البلديات الإسبانية تتذرّع بتعقيداتٍ “صحية” و”بيئية” لتبرير عجزها عن تخصيص ركنٍ صغير يُتيح للمسلمين دفن موتاهم وفق طقوسهم، نجد أن المملكة المغربية، في المقابل، تقدّم منذ عقود نموذجًا راقيًا في التسامح الديني واحترام الديانات السماوية الثلاث.
ففي مختلف المدنٍ المغربية كفاس ومراكش والدار البيضاء، توجد مقابر خاصة بالطائفة اليهودية وأخرى للمسيحيين الأجانب، تُدار في إطار من الاحترام الكامل والكرامة الإنسانية، دون أن تُثار حولها “هواجس بيئية” أو ذرائع إدارية.
03/11/2025
 
            
                
                                  
                                  
                                  
                                  
                                  
                                  
                                  
                                  
                                  
                                  
                                  
                                  
                                  
                                  
                                  










