في زمنٍ جعل فيه جلالة الملك محمد السادس ، العناية بمغاربة العالم ركيزةً من ركائز السياسة الوطنية، وخصّهم في خطبه برعايةٍ ملكيةٍ سامية ، داعياً المؤسسات الوطنية إلى خدمة المواطنين بعدل وإنصاف داخل الوطن وخارجه، تطفو إلى السطح قضية مؤسفة تُظهر حجم الهوّة بين الخطاب الملكي المسؤول والواقع الإداري الجامد لبعض المؤسسات، وعلى رأسها شركة اتصالات المغرب.
القضية التي تبنتها مؤسسة مغاربة العالم لا تتعلق بملف تقني أو إداري بسيط، بل بقضية مبدئية تمسّ كرامة أحد أفراد الجالية المغربية المقيمة ببلجيكا، المواطن (م.ب)، الذي وجد نفسه في مواجهة صمتٍ إداريٍ مزمن وتجاهلٍ غير مبرر من طرف شركة يُفترض فيها أن تكون نموذجاً في احترام القانون وخدمة الصالح العام.
تبدأ الحكاية حين وجّه المتضرر، عبر مؤسسة مغاربة العالم، شكاية رسمية إلى الرئيس المدير العام لشركة اتصالات المغرب، يلتمس فيها رفع التعرض غير القانوني عن عقاره الكائن بدوار “ثارا اجلمام” بجماعة بني شيكر بإقليم الناظور، بعد أن تم تثبيت لاقطٍ هوائي تابع للشركة فوق العقار دون أي تسوية مالية أو قانونية تخص سنتي 2024 و2025.
وقد تم إيداع الشكاية رسمياً بالإدارة المركزية للشركة بتاريخ 14 أكتوبر المنصرم، وهو ما يؤكد أن الملف لم يعد يقتصر على مراسلات جهوية أو مساطر محلية، بل وصل إلى أعلى المستويات الإدارية داخل المؤسسة، دون أن يلقى أي تجاوبٍ أو تفاعلٍ يُذكر إلى حدود الساعة.
ورغم أن القضاء المغربي قال كلمته النهائية بحكمٍ صادر عن محكمة النقض يؤكد بوضوح ملكية المشتكي للعقار، فإن إدارة الشركة ظلت تتذرع بمبرراتٍ واهية لتبرير استمرار احتلال العقار، في تجاهلٍ تام لمبدأ علوية القانون واحترام الأحكام القضائية، بل ورفضٍ ضمني لتسوية الوضع رغم وضوح الموقف القانوني ونهاية العقد.
الأدهى من ذلك أن الإدارة الجهوية لـاتصالات المغرب حاولت بدورها التملص من المسؤولية، متذرعة بأن الاستجابة لطلب إزالة اللاقط الهوائي رهينٌ بمرور سنةٍ كاملة على إيداع الطلب، في تبريرٍ أقرب إلى منطق “قانون حمو رابي” منه إلى روح القانون المغربي الحديث.
واليوم، وبعد مرور سنةٍ كاملة، لم يعد أمام هذه الإدارة أي مبرر قانوني أو إداري لتأجيل التنفيذ، وهي مطالَبةٌ ليس فقط بتفعيل الطلب فوراً، بل أيضاً بتسوية المستحقات المالية المترتبة بذمتها، احترامًا لحقوق المواطن ولحكمٍ قضائي نهائي واجب النفاذ.
في ظل هذا التماطل المقلق، ترتفع الأصوات مطالبةً السيد محمد بنشعبون، المدير العام لشركة اتصالات المغرب، بالتدخل العاجل لتصحيح هذا الانحراف الإداري الذي يُسيء لسمعة الشركة ولمبدأ الحكامة الذي يوصي به جلالة الملك في كل مناسبة.
إن المسؤولية اليوم تقع على عاتق الإدارة المركزية التي يفترض أن تُجسّد روح الانفتاح والإنصاف، لا أن تسمح باستمرار ممارساتٍ تسيء للمواطنين وتناقض التوجيهات الملكية الرامية إلى تكريس الثقة بين الإدارة والمواطن، داخل الوطن وخارجه.
فالتدخل الفوري من أعلى هرم الشركة لم يعد خيارًا إداريًا، بل ضرورة وطنية وأخلاقية تفرضها مكانة المؤسسة وحجم رمزيّتها في المشهد الاقتصادي الوطني.
وشددت مؤسسة مغاربة العالم قبل إصدار بيانها في الموضوع على أن القضية ليست نزاعاً فردياً، بل مسألة مبدئية تمسّ صورة المغرب ومصداقية مؤسساته أمام الجالية المغربية بالخارج، معتبرةً أن ما يقع يشكل شططاً في استعمال السلطة وخرقاً لمبادئ العدالة والإنصاف التي أرساها جلالة الملك.
وأكدت المؤسسة أن هذا التماطل الإداري يضرب في العمق الثقة في المؤسسات الوطنية، ويُسهم في تعميق الهوة بين المواطن ومرافق بلاده، مشيرة إلى أن اتصالات المغرب، التي طالما تغنت بشعارات “القرب والخدمة العمومية”، باتت تُجسّد نموذجاً صارخاً للبيروقراطية التي تخنق الإنصاف وتغذي الإحباط داخل الوطن وخارجه.
لقد دعا جلالة الملك في أكثر من مناسبة إلى التعامل الجدي والمسؤول مع قضايا مغاربة العالم، مؤكداً أن حقوقهم يجب أن تُصان دون تمييز أو تسويف، وأن مؤسسات الدولة مطالبة بأن تكون في مستوى انتظاراتهم.
لكن الواقع، كما تكشف هذه القضية، يُظهر أن بعض الإدارات ما تزال تتصرف وكأنها خارج سياق الملكية المواطِنة التي تضع المواطن في قلب التنمية، وخارج منطق ربط المسؤولية بالمحاسبة.
من المؤسف أن تبقى شركة اتصالات المغرب، بكل ما تمثله من رمزية وطنية واقتصادية، غارقة في صمتٍ غير مبرر، متجاهلةً حكماً قضائياً نهائياً ومراسلاتٍ رسمية موثقة، وكأن الأمر لا يعنيها.
فهل يحتاج المواطن المغربي المقيم بالخارج إلى صرخة جديدة من أعلى سلطة في البلاد حتى يُسمع صوته داخل مؤسسات بلاده؟
أم أن شعارات “التحول الرقمي” و“الالتزام بالمواطنة” لا تزال مجرد واجهات تُخفي واقعاً مغايراً؟
إن ملف المواطن (م.ب) ليس نزاعاً عقارياً فحسب، بل مرآة تعكس مستوى احترام المؤسسات الوطنية لتوجيهات جلالة الملك، واختبارٌ حقيقي لمدى صدق الشعارات التي ترفعها اتصالات المغرب.
فإلى متى ستتوقف المؤسسات الوطنية عن تجاهل المواطن، ومتى تُترجم الخطابات الملكية إلى ممارساتٍ تُنصف الناس وتُعيد الثقة في إدارةٍ يفترض أن تكون في خدمة الوطن والمواطن؟
04/11/2025
 
            
                
                                  
                                  
                                  
                                  
                                  
                                  
                                  
                                  
                                  
                                  
                                  
                                  
                                  
                                  
                                  










