انطلقت في لاهاي أولى خطوات تشكيل ائتلاف حكومي جديد بتعيين ووتر كولميس مبعوثًا لاستكشاف إمكانيات التحالف المقبل. وقد كُلف كولميس، المدير التنفيذي الحالي لشركة السكك الحديدية الهولندية ووزير المالية السابق، بمهمة رسم خريطة التحالفات الممكنة خلال أسبوع واحد فقط، على أن يقدم تقريره في الحادي عشر من نوفمبر، أي قبل يوم واحد من تنصيب البرلمان الجديد.
وجاء اختيار كولميس بناءً على ترشيح حزب دي ستة وستون، الفائز بأكبر نسبة تصويت في الانتخابات الأخيرة، وحظي تعيينه بموافقة جميع الكتل البرلمانية، ما يعكس رغبة الأحزاب في بدء مشاورات حقيقية بعيدًا عن التجاذبات الحادة. وأشاد رئيس البرلمان مارتن بوسما بخبرته السياسية وقدرته على التعامل بحياد مع مختلف الأطراف، واصفًا إياه بـ”الرجل المناسب بمسافة كافية عن السياسة”، وهو توصيف يوضح أهمية الدور المحايد في سياق سياسي شديد التباين.
ورغم الاتفاق العام على ضرورة تسريع عملية التشكيل، لا تزال المواقف متباعدة بشكل واضح بين الأحزاب. فرئيس حزب دي ستة وستون، النائب روب جيتن، دعا إلى تشكيل حكومة مستقرة تضم أحزاب دي ستة وستون وCDA وVVD والخضر والحزب الديمقراطي للعمل، وهو تحالف يساري-وسطي قد يحقق أغلبية مريحة من ستة وثمانين مقعدًا. في المقابل، رفضت رئيسة حزب VVD، يسيلغوز، هذا الخيار، معتبرة أن الخلافات الأيديولوجية مع أحزاب اليسار عميقة للغاية، مؤكدة تمسكها بخيار حكومة وسط يمينية تضم دي ستة وستون وCDA وJA21.
وفي سياق متصل، أبدى رئيس حزب JA21 استعداد حزبه للمشاركة في أي ائتلاف منصف، مشيرًا إلى أن العدد الحالي من المقاعد (خمسة وسبعون) يجعل من الضروري البحث عن حزب إضافي لضمان استقرار الائتلاف. أما حزب CDA، الذي يمثل عادة نقطة التوازن في المشهد الهولندي، فلم يعلن أي تفضيلات مسبقة، مكتفيًا بالتأكيد على أهمية الاتفاق حول القضايا الجوهرية دون استبعاد خيار الحكومة الأقلية. وقال رئيسه هنري بونتينبال: “الأهم هو ما يمكن تحقيقه على أرض الواقع”.
وفي تطور لافت، تراجع غيرت ويلدرس، رئيس حزب PVV ومنافس جيتن على الفوز، عن موقفه السابق المطالب بتأجيل تعيين المبعوث إلى ما بعد إعلان النتائج الرسمية، لكنه تمسك بالتصريحات حول احتمال وجود مخالفات في عملية التصويت، رغم نفي السلطات المحلية والخبراء لذلك. وأوضح أن فحص مثل هذه الادعاءات يعزز الديمقراطية ولا يضعفها، وهو موقف يسلط الضوء على حساسية العملية الانتخابية في هولندا.
ومع انطلاق مهمة كولميس، تبدو عملية تشكيل الحكومة محكومة بصعوبات كبيرة، إذ يسعى كل طرف إلى فرض رؤيته في وقت تتباين فيه التوجهات بين يسار الوسط واليمين المحافظ. ومع ذلك، أعرب المبعوث الجديد عن تفاؤله قائلاً: “أتطلع بحماس كبير إلى هذه المهمة المعقدة”، مؤكدًا أن هذه الخطوة تمثل البداية الفعلية نحو ولادة حكومة جديدة في هولندا، وسط توقعات بأن تشكل ديناميكياتها السياسية نموذجًا يمكن ملاحظته من قبل الدول التي تتابع التجارب الديمقراطية الأوروبية، بما فيها المغرب.
هذه العملية تذكر بأهمية الحوار السياسي والمرونة في بناء الحكومات، خصوصًا في الأنظمة التعددية، حيث يصبح الاستقرار السياسي ثمرة توافقات دقيقة بين مختلف الأطراف. كما أنها تشير إلى أن اختيار الشخصيات المحايدة والقدرة على إدارة الاختلافات يمكن أن يكون عاملًا حاسمًا في نجاح أي تجربة حكومية، وهو درس يمكن أن يُستفاد منه على مستوى السياسات المغربية والإقليمية.
04/11/2025











