في محاولة جديدة لاستغلال النقاش الدائر في إسبانيا حول قضية الصحراء المغربية، دعا خوان خوسيه إمبروذا، رئيس ما يسمى بـ”المدينة الذاتية الحكم لمليلية”، الحكومة المركزية في مدريد إلى أن “تتذكر مليلية لمساعدتها، لا لانتقادها”، على حد تعبيره.
وجاءت تصريحات إمبروذا في مؤتمر صحفي خصصه للحديث عن السياسة الخارجية الإسبانية تجاه المغرب، حيث اشتكى مما وصفه بـ”قلة اهتمام الدولة” بشؤون مليلية، مؤكدًا أن المدينة “تعيش تهميشًا اقتصادياً وتواصلياً مستمراً منذ سنوات”.
وقال إمبروذا: “من السهل على البعض التحدث عن الصحراء أو عن سبتة ومليلية دون أن يعرفوا واقعنا. ما نحتاجه ليس النقاشات النظرية، بل قرارات عملية تدعم اقتصاد المدينة وتحسن بنيتها التحتية.”
تأتي هذه التصريحات — وفق مراقبين مغاربة — في سياق محاولة واضحة من مسؤولي مليلية المحتلة تحويل الأنظار عن الأزمات الداخلية التي تعيشها المدينة، خاصة الركود الاقتصادي وتراجع الحركة التجارية منذ إغلاق المعبر الحدودي مع المغرب سنة 2019.
ويرى محللون أن رئيس المدينة يسعى من خلال ربط مليلية بملف الصحراء إلى الضغط على الحكومة المركزية لاستعادة الامتيازات الاقتصادية القديمة التي كانت تعتمد أساسًا على التهريب المعيشي والعلاقات غير الرسمية مع محيطها المغربي.
وقال إمبروذا إن “عندما تتذكر مدريد مليلية، يجب أن تفعل ذلك للمساعدة، لا للنقد”، مطالبًا بإجراءات لدعم الاقتصاد المحلي وتحسين الاتصالات الجوية والبحرية مع شبه الجزيرة الإيبيرية.
انتقد إمبروذا في تصريحاته ما سماه “استعمال مليلية في النقاشات السياسية والإعلامية المرتبطة بالمغرب والصحراء”، مضيفًا: “نحن لسنا أداة في النقاشات الأيديولوجية أو الجيو سياسية. نريد أن ينظر إلينا كمدينة تحتاج إلى حلول واقعية، لا كرمز سياسي.”
غير أن الخطاب ” كما تقول مصادر مغربية” يعكس تناقضًا واضحًا في موقف مسؤولي مليلية، الذين يرفضون الاعتراف بواقعهم كمدينة محتلة تقع فوق التراب المغربي، وفي الوقت نفسه يطالبون مدريد بـ”المعاملة الخاصة” لما يسمونه “خصوصيتهم الجغرافية والسياسية”.
تعاني مليلية المحتلة منذ سنوات من ركود اقتصادي حاد بعد أن أوقف المغرب نهائيًا نشاط التهريب المعيشي، وأعاد تنظيم تجارته الحدودية بشكل رسمي ومنظم عبر الموانئ المغربية، وهو ما قلّص من عائدات المدينة الإسبانية وأفقدها دورها السابق كمنطقة عبور.
ويرى مراقبون أن تصريحات إمبروذا تأتي في هذا السياق، محاولةً لابتزاز الحكومة الإسبانية واستدرار الدعم المالي والسياسي من مدريد، من خلال التلميح إلى أن موقفها من المغرب والصحراء يجب أن يُوازن بين “المصالح الوطنية” و”مصالح المدينتين المحتلتين”.
تؤكد هذه التصريحات أن ملف سبتة ومليلية المحتلتين عاد تدريجيًا إلى السطح داخل النقاش الإسباني كلما تقدم الحل السياسي لقضية الصحراء المغربية.
فبينما تواصل الرباط تعزيز سيادتها على أقاليمها الجنوبية وتنمية علاقاتها مع مدريد على أساس الاحترام المتبادل، يجد مسؤولو المدينتين المحتلتين أنفسهم في عزلة استراتيجية واقتصادية متزايدة.
ويرى محللون أن الخطاب الدفاعي لإمبروذا ليس سوى تعبير عن قلق متنامٍ في مليلية من تحولات المنطقة المغاربية ومن الدور الريادي الذي بات يلعبه المغرب في البحر المتوسط وإفريقيا.
تصريحات حاكم مليلية المحتلة، وإن بدت دعوة داخلية لتحسين الأوضاع الاقتصادية، إلا أنها تكشف توظيفًا سياسيًا واضحًا لقضية الصحراء المغربية في محاولة للهروب من واقع التهميش والانكماش الذي تعيشه المدينة.
وفي وقت يُعيد فيه المغرب رسم موازين التعاون الإقليمي من موقع قوة، تزداد مليلية وسبتة إدراكًا لواقع احتلالهما المعزول تاريخيًا وجغرافيًا عن التراب الإسباني، وارتباط مستقبلهما — أكثر من أي وقت مضى — بالحوار مع الرباط لا بالضغوط على مدريد.
05/11/2025











