تواجه الدبلوماسية الجزائرية اختبارا صعبا بعد تبني مجلس الأمن الدولي قرارا لصالح المغرب في قضية الصحراء، يضاف الى العلاقات المضطربة مع جيرانها وفرنسا.
بدفع من الولايات المتحدة، اعتبر مجلس الأمن أن “الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية قد ي مثل الحل الأمثل” لهذا النزاع الذي يتواصل منذ خمسين عاما.
وعلى الرغم من معارضة الجزائر، تم تبني القرار الجمعة الفائت بأحد عشر صوتا. وامتنعت كل من الصين وروسيا وباكستان، الحلفاء الرئيسيين للجزائر، عن التصويت.
وقال وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف “لم ينجح المغرب في فرض الحكم الذاتي كحل حصري للقضية الصحراوية”.
ومع ذلك، “يشكل قرار الجمعة الفائت انتكاسة للدبلوماسية الجزائرية” على ما تؤكد سابينا هينبيرغ، الخبيرة في معهد واشنطن، مشيرة إلى “التحديات العديدة” التي تواجهها الجزائر.
وتلفت الخبيرة الى “تداعيات جهود المغرب حول قضية الصحراء، والتي بدأت تؤتي ثمارها الآن”، وأيضا الى “التدخل الروسي في منطقة الساحل الذي أضر بالعلاقات بين موسكو والجزائر”.
انتهجت الجزائر تاريخيا مسار عدم الانحياز، لكن دبلوماسيتها شهدت تراجعا كبيرا منذ تعرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لسكتة دماغية في العام 2013.
حينها، اختفت الجزائر إلى حد كبير من الساحة الدولية والإقليمية والعربية والأفريقية.
وسعت لاحقا إلى استعادة مكانتها على الساحة الدولية.
ثروات وخبرة
إلى جانب ثرواته النفطية، يعرف البلد بخبرته في مقاومة المجموعات الارهابية بعد ان شهد عقدا من الحرب الأهلية ضد الجماعات المتشددة.
وتوضح سابينا هينبيرغ “لقد أظهرت الجزائر في السنوات الأخيرة رغبتها في لعب دور أكثر نشاطا على الساحة العالمية، وخصوصا من خلال انتخابها في مجلس الأمن الدولي” كعضو غير دائم.
كما اتخذت “خطوات محدودة لتعميق علاقتها الثنائية مع الولايات المتحدة”.
وبفضل الحرب في أوكرانيا، تمكن هذا البلد من أن يطرح نفسه كبديل لتوريد الغاز الطبيعي والنفط للدول الاوروبية التي تسعى الى الاقلال من اعتمادها على روسيا على صعيد الطاقة.
وأرست تبعا لذلك علاقات قوية وخصوصا مع إيطاليا.
وعلى الصعيد الأفريقي، وقعت الجزائر في فبراير مع نيجيريا والنيجر اتفاقيات لتسريع تنفيذ مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء.
ومع ذلك، “للسياسة الدبلوماسية الجزائرية حدود”، على ما يقول حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسطي.
ومن الأمثلة على ذلك، فشل ترشح الجزائر للانضمام إلى مجموعة بريكس في صيف العام 2023.
ويوضح عبيدي أن “الرئيس عبد المجيد تبون تلقى رفضا شبه مهين من روسيا”، الحليف التاريخي الذي يزود الجزائر معظم أسلحتها.
علاقات متوترة مع المحيط
ويتابع “هناك تطور كبير في العلاقات الدولية”، معتبرا أن ثمة حاجة ملحة “لإعادة ضبط أهداف السياسة الخارجية” الجزائرية.
بالمقابل، عاد المغرب الذي قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية معه، للانضمام إلى الاتحاد الأفريقي واخذ يفرض قوته الاقتصادية على القارة.
ويضيف عبيدي “لا يمكن للجزائر أن تتحمل البقاء في خلاف دائم مع فرنسا”، القوة الاستعمارية السابقة، مشيرا إلى أزمة غير مسبوقة تجسدت في دعم فرنسا لخطة المغرب بشأن الصحراء.
والبلاد مطالبة أيضا بتهدئة العلاقات مع محيطها الإقليمي، وخصوصا مع مالي، بحسب عبيدي.
لكن تبدو المهمة صعبة اذ تشترك الجزائر في أكثر من 1300 كيلومتر من الحدود مع مالي، التي تواجه منذ عام 2012 أعمال عنف جماعات جهادية.
وردا على ذلك، قامت مالي وحلفاؤها في النيجر وبوركينا فاسو باستدعاء سفرائهم، متهمين الجزائر بتنفيذ “عمل عدائي متعمد”.
وبعد بضعة أسابيع، أعلنت الدول الثلاث رغبتها في “تسريع” المبادرة التي اقترحها المغرب لتعزيز ربط بلدانهم بالمحيط الأطلسي.
وصلت تداعيات هذا التوتر الى منطقة الشرق الأوسط، حيث تتهم الجزائر الإمارات العربية المتحدة بتمويل أو تزويد المجلس العسكري الحاكم في مالي بالأسلحة.
كما تتهم الحكومة الجزائرية الإمارات بالتدخل في ليبيا، حيث تدعم اطرافا مثل المشير خليفة حفتر المناهض لاطراف آخرين تدعمهم الجزائر.
وبالاضافة لهذا السياق الدولي المضطرب، يرى حسني عبيدي ان السياسة الخارجية للجزائر تعاني مشكلة بطء اتخاذ القرارات.
ويعزو ذلك الى “إن آلية عمل النظام السياسي الجزائري معقدة للغاية بسبب مشاركة الجيش وهيئة أركانه وأجهزة الاستخبارات في اتخاذ القرار”.











