يبدو أن “حلم” الخدمة العسكرية في سبتة لم يعد كما تروّج له الشعارات الإسبانية التي تتغنى بـ”التواجد البطولي” في الضفة الإفريقية. فالتقرير السنوي للـمرصد الإسباني للحياة العسكرية، الموجه إلى البرلمان في مدريد، كشف ما يشبه الكوميديا السوداء التي يعيشها الجنود الإسبان هناك: لا سكن، لا استقرار، ولا حتى تعويضات تغطي كلفة الإيجار في مدينة تكاد أسعارها تنافس أحياء مدريد الراقية!
المرصد أشار بوضوح إلى أن المساكن العسكرية في سبتة وصلت حدّ الاختناق، ما يرغم الجنود على البحث عن مأوى في السوق الخاصة. والمفارقة أن هؤلاء الجنود الذين يُقدَّمون كـ”حماة التراب الإسباني في إفريقيا”، يجدون أنفسهم يحاربون من أجل سريرٍ وشقةٍ صغيرة بدل الدفاع عن “الوطن الأم”.
أما التنقل نحو الثغر المحتل فليس بالأمر الهيّن: كل انتقال أو ترحيل يتم عبر البحر، بتكاليف خيالية، لتتحول المهمة العسكرية إلى رحلة سياحية إجبارية بلا متعة. وبينما تُنقل الدبابات عبر العبارات، يجد الجنود أنفسهم ينقلون جيوبهم الفارغة وأحلامهم الثقيلة.
ولأن المفارقات لا تنتهي، كشف التقرير عن تكدّس المساكن الفخمة الخاصة بالضباط الكبار في سبتة ومليلية وروطة، في وقت يعاني فيه الجنود البسطاء من أزمة سكن خانقة. إنها نسخة مصغّرة من التراتبية الاجتماعية الإسبانية داخل الزيّ العسكري نفسه.
حتى الروضات العسكرية كـ“إل كورنيتين” باتت تغصّ بأبناء العسكريين بنسبة إشغال بلغت 97%. فكيف لا، إذا كانت المدينة مكتظة بجنود لا يستطيعون الرحيل ولا البقاء؟ أما التعويضات التي يتلقونها كـ”جائزة الإقامة في الجبهة الجنوبية”، فهي لا تساوي شيئاً أمام كلفة الحياة في مدينة لا يعرف الجنود فيها إن كانوا في مهمة عسكرية أم في عقوبة ميدانية.
المرصد لم يُخفِ قلقه من تراجع جاذبية المؤسسة العسكرية، فالمرشحون الجدد باتوا أقلّ، والأجور لا تُقنع أحداً. ببساطة، لم تعد سبتة “واجهة الدفاع الإسباني”، بل تحولت إلى مستنقع إداري ومالي يُغرق من يُكلَّف به.
بينما يحلم الجنود الإسبان في سبتة بشقة صغيرة وسرير يليق بـ”حامي الوطن”، تواصل مدريد إنفاق الملايين على صيانة فيلات الضباط وعلى شعارات “السيادة التاريخية”. المفارقة أن الجيش الذي يُفترض أن يحمي الحدود يعيش هو نفسه على حافة الانهيار…
08/11/2025











