بعد مرور خمسين عاماً على المسيرة الخضراء التي أنهت الوجود الاستعماري الإسباني في الصحراء المغربية، يبدو أن مدريد لا تزال تحاول التشبث بظلال ماضٍ استعماري يتلاشى شيئاً فشيئاً أمام واقع جديد تكرّسه التنمية المغربية المتسارعة في الأقاليم الجنوبية.
صحيفة إلباييس الإسبانية نشرت تقريراً بعنوان “إرث إسبانيا يتلاشى في الصحراء بعد خمسين عاماً من المسيرة الخضراء”، عبّرت فيه عن الحنين الإسباني إلى مرحلة الوجود الإداري والثقافي في الإقليم، مشيرةً إلى أن “اللغة الإسبانية لم تعد حاضرة إلا في لافتات محدودة، وأن التعليم الإسباني انكمش إلى مؤسسة واحدة فقط”.
لكن خلف هذا الخطاب، يقرأ المتتبعون في الرباط محاولةً جديدة من بعض الدوائر الإسبانية لإحياء سردية استعمارية فقدت مشروعيتها منذ أن استعادت المملكة المغربية سيادتها الكاملة على أراضيها الجنوبية سنة 1975.
فبينما تتحدث الصحيفة عن “اندثار الإرث الإسباني”، يتناسى التقرير عمداً حجم التحولات العميقة التي عرفتها مدن الصحراء المغربية، من العيون إلى الداخلة، حيث البنى التحتية المتطورة، والجامعات، والموانئ الكبرى، والمشاريع الطاقية التي جعلت من المنطقة قطباً اقتصادياً استراتيجياً في القارة الإفريقية.
وفي مقابل الحسرة الإسبانية على “مدرسة متهالكة” أو “اسم شارع قديم”، يرى المراقبون أن اللغة الإسبانية اليوم في الصحراء لم تختفِ، بل تحوّلت من لغة سلطة إلى لغة تواصل وثقافة، بفضل المبادرات المغربية لتشجيع التعدد اللغوي والانفتاح الثقافي.
ويرى باحثون مغاربة أن المقال الإسباني لا يخلو من نَفَس نوستالجي يحاول التغطية على إخفاق مدريد في التعامل الواقعي مع ملف الصحراء، خصوصاً بعد أن اعترفت الحكومة الإسبانية بشرعية المبادرة المغربية للحكم الذاتي سنة 2022، وهو ما اعتبر حينها نقطة تحول في العلاقات بين البلدين.
وبينما تواصل المملكة المغربية تعزيز حضورها الدبلوماسي والاقتصادي في أقاليمها الجنوبية، يبدو أن بعض الأقلام الإسبانية ما زالت أسيرة أوهام “الواحة الضائعة”، متجاهلة أن الصحراء لم تعد تَدين بوجودها لأي استعمار، بل لمشروع وطني مغربي متجدد يقوده الملك محمد السادس نحو إفريقيا والمستقبل.
08/11/2025











