في مشهدٍ أقرب إلى رواية بوليسية داكنة، فتحت السلطات الروسية جبهة جديدة لا تقل خطورة عن تلك المشتعلة مع أوكرانيا. هذه المرّة العدو ليس في الخنادق، بل بين خيوط “العاطفة” المنسوجة بإتقان داخل صالات الزواج ومكاتب السجل المدني. إنهنّ ما يُعرف في الإعلام الروسي بـ”الأرامل السود”، نساءٌ اتخذن من الزواج وسيلة لجني ثروات من دماء الجنود الروس.
فبحسب تحقيق مطوّل نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، أطلقت الشرطة الروسية حملة واسعة لتعقّب نساء يُغوين الجنود الشباب بالزواج قبل إرسالهم إلى جبهات القتال، طمعاً في تعويضات وفاة قد تصل إلى 170 ألف يورو — أي ما يعادل نحو عشرين ضعف الدخل السنوي المتوسط في روسيا.
هذه “الزيجات السريعة” أصبحت ظاهرة متنامية، دفعت المحاكم الروسية إلى النظر في ملفات شائكة تتضمن دعاوى رفعتها عائلات الجنود القتلى ضد “زوجاتهم المفترضات”، بعد أن اكتشفوا أن تلك الزيجات كانت صورية ومبنية على مصالح مالية لا أكثر، وأحياناً دون علم الأسرة أو وجود أي علاقة حقيقية.
الحكومة الروسية من جانبها أعلنت أن هدف الحملة هو وقف استغلال نظام التعويضات العسكري، الذي أُقرّ أصلاً لدعم أسر الجنود الذين سقطوا في الحرب. لكن يبدو أن “عقود الحب” تحوّلت إلى صفقات موت مدروسة، تتقاطع فيها الطموحات المادية مع يأس الحرب، في بلدٍ يعيش تناقضاً بين خطاب الوطنية وواقع الفساد الاجتماعي.
وفي حين تسعى موسكو إلى فرض الانضباط الأخلاقي في صفوفها الداخلية، يقرأ مراقبون في هذه الحملة مؤشراً جديداً على الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي عمّقتها حرب أوكرانيا، حيث صار الموت نفسه عملة قابلة للمتاجرة، تُباع وتُشترى باسم الحبّ والوطن.
08/11/2025











