خمسون عاماً مرّت على ما يُعرف بـ”المسيرة الخضراء”، أو كما يسميها بعض الصحراويين “المسيرة السوداء”، ومع ذلك يبدو أن بعض أروقة اليمين الإسباني لا يزال عاجزاً عن فهم دروس التاريخ. بين الصمت المريب والتجاهل المبالغ فيه، يرفع المسرح الستار على جرحٍ لم يلتئم، ليذكّر الجميع بأن الصحراء المغربية ليست مجرد حكاية تُروى، بل واقع تاريخي وسياسي لا يغيّره الادعاء أو المسرح.
يقدّم مسرح مدريد عرضاً درامياً جديداً بعنوان الصحراء، قارب الصحراء، الذي يعيد إلى الواجهة واحدة من أكثر صفحات الانتقال الإسباني قتامة. العمل يحاول استرجاع تاريخ مزعوم من الانتهاكات والإهمال الإسباني في الصحراء المغربية، لكنه يتحوّل أيضاً إلى محاولة لإعادة تكرار سردية الانفصال، التي دحضها الواقع السياسي والتنمية الميدانية في الأقاليم الجنوبية للمملكة.
في عام 1975، بينما كان فرانكو يلفظ أنفاسه الأخيرة، وتسلم خوان كارلوس بوربون زمام السلطة، تخلّت إسبانيا عن مسؤولياتها كقوة مُديرة لإقليم الصحراء المغربية، وسلّمت السيادة للمغرب في إطار المسيرة الخضراء التي أطلقها الملك الراحل الحسن الثاني، متجاهلة مزاعم طرح الانفصال. لم يُجرَ أي استفتاء، وظلّت القضية تحت السيادة المغربية، مع استمرار المملكة في تطوير البنية التحتية والخدمات وحماية سكان الصحراء.
العمل من إخراج ماريو فيغا وكتابة روث سانشيز، ويروي قصة مانويلّا، ممرضة إسبانية تصل إلى العيون عام 1970، وتقع في حب ياهاديه، شاب ينضم لجبهة البوليساريو. ومن خلال خبايا الحرب والمقاومة، تصبح مانويلّا شاهدة على ما تصفه الرواية بـ”الإهمال الإسباني” و”الاحتلال المغربي”، في سردٍ يحاول أن يعيد تمثيل الأحداث وفق منظور مضاد للسيادة المغربية.
يقول فيغا: “كان علينا التطرق إلى قضية الصحراء المغربية، لقد اكتشفنا معلومات كثيرة لم نكن نعرفها أو كنا نظن أننا نعرفها”. لكن الحقيقة الميدانية تقول شيئاً آخر: السيادة المغربية ثابتة، والتنمية متواصلة، والمخيمات التي يزعمونها مركزاً للصراع هي الآن جزء من معركة المملكة الحقيقية ضد الفقر والانعزال، وليست منصة سياسية لمزاعم الانفصال.
بعد عرضها في مدريد، ستنطلق المسرحية في جولة بإسبانيا وأمريكا اللاتينية، بما في ذلك كولومبيا وأوروغواي وجمهورية الدومينيكان. لأن النسيان، كما يقول المثل المغربي، “هو شكل آخر من أشكال العنف”، والتذكير أحياناً يكون طريقاً إلى العدالة، لكن العدالة الحقيقية على الأرض تكمن في السيادة والتنمية، لا في الخطابات المسرحية.
ويبقى اليمين الإسباني، كما يبدو، منشغلاً بمحاولات دعم روايات الانفصال، متجاهلاً الدروس التاريخية التي تصرخ في وجهه منذ نصف قرن. وكأن التاريخ الإسباني بحاجة إلى مسرحيات لتذكيرهم بأن ما يدفن في الصحراء المغربية لا يختفي، وأن الحساب الحقيقي لن يأتي بالكلمات الرخيصة أو كؤوس النبيذ الرخيص التي يتبادلونها في حفلاتهم، بل بالأرض الصامدة والحقائق الراسخة، حيث يقف المغرب شامخاً، والحقيقة التي لا تُغيّرها الروايات المزيفة دائمًا في المقدمة.
08/11/2025











