تمكنت الحرس المدني الإسباني من تفكيك منظمة إجرامية محكمة التنظيم كانت تتخفى وراء مظهر الصيادين الهواة لتُدير تجارة مربحة بدموع وأحلام المهاجرين. العملية الأمنية، التي أطلق عليها اسم “باركيرا”، أسفرت عن اعتقال أحد عشر شخصًا بينهم خمسة يُعتبرون العقول المدبرة، وتم وضعهم رهن الاعتقال الاحتياطي بقرار من محكمة التحقيق رقم 6 بسبتة.
تحركت العصابة بين سبتة والجزيرة الخضراء بحرفية عالية، مدّعية أنها مجموعة من ركاب العبارات أو هواة الصيد، بينما كانت في الواقع تنسق عمليات تهريب منظم للمهاجرين عبر المضيق.
كان أفرادها يعرفون جداول تحرك الدوريات البحرية الإسبانية بدقة، ويختارون الأيام ذات الأحوال الجوية الملائمة لتفادي الشكوك، ما يعكس مستوى عالياً من التخطيط والاختراق داخل الموانئ.
كشفت صحيفة محليية بسبتة السليبة أن أفراد الشبكة كانوا يتظاهرون بالخروج في رحلات صيد لإخفاء نقل المهاجرين نحو الشواطئ الإسبانية، مقابل مبالغ وصلت إلى 14 ألف يورو للفرد الواحد.
القوارب كانت صغيرة وسريعة، معدّلة لتفادي الرادارات، وتفتقر لأي تجهيزات أمان. كما ضمّت العملية شبكة من المرقبين والجواسيس في موانئ سبتة وسواحل الجزيرة الخضراء، يمدّون المهربين بمعلومات لحظة بلحظة عن تحركات الحرس المدني.
عُثر على بيوت سرية في أحياء مثل “الريسينتو” و“بوبلادو سانيداد” بسبتة، حيث كان المهاجرون يُحتجزون في انتظار موعد العبور، أحياناً لأيام طويلة.
وكانت القوارب تُغادر الميناء محمّلة بأدوات صيد للتمويه، ليجري لاحقًا تبديل القائد في عرض البحر قبل مواصلة الرحلة نحو الشواطئ الإسبانية، حيث يتكفّل شركاء آخرون باستقبال المهاجرين وتأمين اختفائهم المؤقت.
أكدت تقارير الحرس المدني أن هذه العصابة كانت تتعامل بازدراء تام لحياة المهاجرين، إذ لم تكن توفر سترات نجاة أو أجهزة تحديد مواقع. وتشير التحقيقات إلى أن عدداً من الجثث التي جرفتها أمواج سبتة هذا الصيف، من بينها جثث أطفال، قد تكون لضحايا هذه الرحلات.
وكانت العصابة تتقاضى ما بين 8 آلاف و14 ألف يورو حسب نوع الرحلة، في عملية تُحوّل البحر إلى مقبرة مدفوعة الثمن، حيث يمتزج المال بالخطر والموت.
أظهرت التحقيقات أن التنظيم كان يعتمد على شبكة من العلاقات العائلية، تجمع بين آباء وأبناء وإخوة، في هيكل هرمي موزع بين مجندين، ومراقبين، وسائقين، ومنسقين لوجستيين.
ورغم أن الحملة الأمنية وجهت ضربة قوية لهذه الشبكة، فإن التحقيقات ما تزال جارية وقد تفضي إلى كشف روابط جديدة بين سبتة والبر الإسباني.
مرة أخرى، يتأكد أن المضيق لم يعد مجرد معبر بين قارتين، بل مرآة مأساوية لاختلالات المنطقة. فبين سبتة المحتلة التي تغلي على هامش الجغرافيا المغربية، والجزيرة الخضراء التي تستقبل موجات بشرية من اليأس، يمتد خيط رفيع من الأمل المفقود.
وراء هذه الشبكات، لا يقف فقط جشع المهربين، بل أيضًا فشل مزدوج: من جهة في الجنوب حيث تدفع الحاجة شباباً للمغامرة، ومن جهة أخرى في الشمال الذي يواصل بناء سياساته الأمنية على حساب الكرامة الإنسانية.
في النهاية، تبقى المأساة مغربية بقدر ما هي إسبانية، والبحر الذي يفصل بين الضفتين لا يزال شاهدًا صامتًا على تجارة الموت، ما لم يتحول التعاون الثنائي من مجرد حملات أمنية إلى رؤية مشتركة تُعطي للإنسان حقه في الحياة قبل الرحيل.
09/11/2025











