حرارة القرار الأممي الأخير الذي جدد دعم العالم لخطة الحكم الذاتي المغربية أصابت صحافة اليمين الإسباني بموجة إسهال تحليلي حاد، خرج على شكل مقالات هستيرية، عناوينها تصرخ أكثر مما تقول. فما إن صدّق مجلس الأمن على القرار الجديد، حتى تساقطت في مدريد أوراق “النوستالجيا الاستعمارية” مثل أوراق الخريف، وبدأت الصحف تبحث في رمال الجنوب عن أطلال لتعيد إليها الحياة… ولو من باب الهذيان السياسي.
استيقظت فجأة إل بيريوذيكو لتكتشف أن هناك مدينة اسمها “الݣويرة”، وتقرر أن تحوّلها إلى “رمز مفقود” من زمن الإمبراطورية الغاربة. مدينة لا يسكنها أحد، ولا يسمع فيها سوى صفير الريح، لكن يبدو أن خيال بعض الصحفيين الإسبان أوسع من الصحراء نفسها. قبل أكثر من قرن، كانت “الݣويرة” مجرد ميناء صغير أقامه صيادون من الكناري لتجفيف السمك، ثم رحلوا كما جاءوا حين كانت شمس المغرب تعلن نهاية زمن الاستعمار. ومنذ ذلك الحين، لم يسمع أحد بالمدينة، حتى أعادها ملك المغرب إلى الواجهة بعبارة صادقة وواضحة:
“من طنجة إلى الݣويرة… هذا هو المغرب الواحد”.
جملة واحدة كانت كافية لتفجّر حُمّى التاريخ في الصحافة الإسبانية، التي قرأت فيها إعلان حرب! فخرجت العناوين كمن فقد توازنه:
“الملك المغربي يمدّ حدوده !”
“خطر التوسع المغربي في الصحراء!”
وكأنّ الملك أعلن حملة نابليونية جديدة، لا مجرد تأكيد لوحدة وطنه. يا جماعة مدريد، اهدؤوا قليلاً، فالمغرب لا يحتل أرضه… بل يحرسها.
أما “الݣويرة” التي تثير كل هذا الغبار الإعلامي، فهي اليوم مجرد أطلال غمرتها الرمال، واسم يسكن وجدان المغاربة، لا خيال الإسبان. لكن يبدو أن اليمين في مدريد بحاجة إلى قصة جديدة يفرغ فيها مرارته، بعد أن شاهد المجتمع الدولي — بما فيهم واشنطن وباريس — يصطف مجددًا خلف الحل المغربي الواقعي، تاركًا البوليساريو ومن يمولها في عزلة دبلوماسية خانقة.
من الواضح أن بعض الصحفيين في إسبانيا يعانون من فقرٍ في الخيال وغنىً في الغضب. كلما نطقت الرباط بكلمة “الصحراء”، تُصاب مدريد بالتشنج، وتبدأ في إخراج خرائطها الصفراء، تمسح الغبار عن أسماء لم تعد سوى ظلال في كتب التاريخ. أما المغرب، فهو يمشي بثبات نحو المستقبل، يزرع في صحرائه الموانئ والمصانع، بينما الآخرون يزرعون المقالات في الرمال.
في النهاية، تبقى “الݣويرة” رمزًا لوحدة المغرب، واختبارًا مستمرًا لقدرة الصحافة الإسبانية على التمييز بين الجغرافيا والخيال. ولمن لم يفهم بعد: الشمس لا تشرق من مدريد، بل من طنجة إلى الݣويرة… والباقي مجرد هلوسات ما بعد الاستعمار.
أما أولئك الذين لا زالوا يحلمون بإسبانيا ما وراء البحار، فليتذكروا جيدًا: لا توجد قوة تحمي أطلال الماضي، ولا خرائط صفراء تستطيع قلب الواقع. كفّوا عن الهذيان، واجلسوا لتحتسيوا كوبًا من النعناع المغربي، فالعقل فقط هو الذي يفيق من كوابيس الأمس، أما الهذيان الإعلامي، فسيبقى يتناثر في رمال الصحراء إلى الأبد.












