في مشهدٍ أربك الحسابات داخل إسبانيا وأحرج الخطاب اليميني المعروف بعدائه للرموز الإسلامية، ظهرت إحدى مناضلات الحزب الشعبي الإسباني (PP) وهي ترتدي الحجاب خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس الحزب ألبرتو نونيث فيخو بمدينة مليلية .
اللقطة التي التُقطت خلال اجتماع اللجنة الإدارية للحزب في المدينة لم تمر مرور الكرام، إذ سرعان ما أثارت زوبعةً في الإعلام المحافظ الإسباني، الذي اعتبرها “صورة غير مألوفة” داخل حزبٍ طالما تبنى خطابًا متشددًا تجاه قضايا الهوية والهجرة، ودعم في أكثر من مناسبة دعوات حظر النقاب والبرقع في الأماكن العامة تحت شعار “الأمن” و“الكرامة النسائية”.
اللافت أن الحزب الذي ظهر في مليلية مدافعًا عن “التعايش بين الثقافات”، هو نفسه الذي قاد في برشلونة حملة لتجريم ارتداء الحجاب الكامل، واعتبره “رمزًا لقمع المرأة”.
هذا التناقض يختصر، بحسب مراقبين، النظرة الانتهازية والسطحية التي يتعامل بها اليمين الإسباني مع الإسلام والمسلمين، إذ لا تُستدعى قيم “التنوع الثقافي” إلا عندما تخدم المصالح الانتخابية، خصوصًا في المدينتين المحتلتين مليلية وسبتة حيث يشكل المسلمون أغلبية سكانية مؤثرة.
وليس هذا التحول جديدًا على الحزب الشعبي، فقد سبق لزعيمه المحلي في مليلية، خوان خوسيه إمبروذا، أن وجّه خطابه مباشرة إلى المجتمع المسلم خلال حملاته الانتخابية لاستعادة رئاسة المدينة، مستفيدًا من وجود مناضلين مسلمين ضمن صفوف الحزب كمندوبين ومراقبين.
تحركاتٌ تعكس، وفق محللين، براغماتية سياسية مكشوفة توظف التعدد الثقافي في الثغرين المحتلين كأداة انتخابية، دون أي مراجعة حقيقية لخطاب الحزب الإقصائي داخل التراب الإسباني.
في خطابه بمليلية، شدّد فيخو على “ضرورة حماية الحدود”، مؤكّدًا أن “مليلية هي وستبقى إسبانيا”. عبارةٌ تعيد إنتاج الخطاب الاستعماري القديم، وتتناقض مع الحقائق التاريخية والقانونية التي تثبت أن المدينة جزءٌ من التراب المغربي المغتصب منذ قرون.
ورغم ما تحاول مدريد ترويجه من شعارات “التعايش والتسامح”، إلا أن الواقع على الأرض يقول غير ذلك:
حدود مغلقة في وجه العمال المغاربة، وأبواب انتخابية مفتوحة للخطاب المزدوج. مشهد يعكس سياسة إسبانية تمارس الانغلاق حين يتعلّق الأمر بحقوق الجوار، وتنفتح حين يتعلق الأمر بعدسات الكاميرات وصناديق الاقتراع.
يبدو أن الحزب الشعبي اكتشف فجأةً فضائل “التعايش الثقافي” عندما ارتبطت بصوتٍ انتخابي في مليلية المحتلة، لا بقناعة فكرية في مدريد. فالحجاب الذي كان بالأمس “رمزًا للاضطهاد”، صار اليوم “رمزًا للانفتاح” حين التقطته عدسات الحملة الانتخابية.
مشهدٌ صغير لكنه كاشف: يمينٌ يهاجم الحجاب في مدريد، ويصافحه في مليلية؛ يرفض “الآخر” حين يعبر من الجنوب، لكنه يبتسم له ما دام محاصرًا داخل حدودٍ مغتصبة.
وفي نهاية المطاف، الحكاية ليست عن “مناضلة محجبة” بل عن سياسيين مكشوفي الوجوه… ومكشوفي النوايا.
أما مليلية، فستبقى “مهما غيّروا العناوين والشعارات” مرآةً لوجه استعمارٍ قديمٍ يحاول تجميل نفسه بمساحيق التعدد الثقافي، لكنه ينسى أن التعايش الحقيقي لا يُبنى فوق أرضٍ مسلوبة ولا على حساب ذاكرةٍ مغتصبة.











