kawalisrif@hotmail.com

اتفاقيات مدريد .… خيانة استعمارية قديمة ضد المغرب يُعيد اليمين المتطرف اليوم تلميعها

اتفاقيات مدريد .… خيانة استعمارية قديمة ضد المغرب يُعيد اليمين المتطرف اليوم تلميعها

خمسون سنة مرّت على ما سُمّي بـ”اتفاقيات مدريد الثلاثية”، ذلك التفاهم الذي وقّعته إسبانيا المترنحة بين الموت السياسي للديكتاتور فرانكو وبزوغ عهدٍ جديدٍ في أوروبا الديمقراطية. لكنّ اليمين المتطرف الإسباني اليوم، ممثلاً في أحزاب مثل ڤوكس ومن يدور في فلكها الإعلامي، يحاول أن ينفض الغبار عن ماضٍ استعماري أسود، مقدّماً نفسه كوصيٍّ على الصحراء المغربية، ومتجاهلاً تماماً الحقائق القانونية والتاريخية التي رسّخت سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.

اتفاقيات مدريد التي وُقعت سنة 1975 لم تكن سوى صفقة انسحاب مرتبكة من مستعمرة استنزفت خزينة مدريد وأضحت عبئاً سياسياً وأخلاقياً على نظام فرانكو المحتضر.

اختارت إسبانيا آنذاك الهروب إلى الأمام، فسلّمت الإدارة للمغرب وموريتانيا وغضّت الطرف عن مصير سكان المنطقة الذين ظلوا على الدوام مرتبطين تاريخياً وبيعةً بالمغرب، وليس بأي كيان مصطنع.

لكن بدل أن تواجه مدريد حقيقة هذا الإرث الاستعماري، آثرت الصمت والنسيان، لتجد نفسها اليوم أسيرة مزاج يميني متطرف يسعى إلى إحياء النزعة الاستعمارية بوجه جديد.

في كل ذكرى لاتفاق مدريد، تُطلّ أصوات اليمين المتطرف لتتحدث عن “مسؤولية إسبانية أخلاقية” تجاه الصحراء، بينما الهدف الحقيقي هو ابتزاز المغرب والتشويش على العلاقات الثنائية التي تعيش أفضل فتراتها بفضل الشراكة الاستراتيجية بين الرباط ومدريد.

إنّ خطاب “ڤوكس” ورفاقه ليس دفاعاً عن القانون الدولي، بل نوستالجيا استعمارية تختبئ خلف شعارات إنسانية زائفة. فهؤلاء لا يزعجهم مصير اللاجئين في تندوف ولا الفساد داخل جبهة البوليساريو، بل يزعجهم أن يكون المغرب اليوم قوة إقليمية مؤثرة تمتد من طنجة إلى الكركرات.

منذ سنة 1975، اختار المغرب طريق الشرعية والتنمية بدل منطق الحرب والانفصال. فالمسيرة الخضراء لم تكن مجرد زحف رمزي، بل إعلاناً لمرحلة جديدة من تحرير الأرض وبناء الإنسان.

واليوم، تشهد الأقاليم الجنوبية طفرة غير مسبوقة في البنية التحتية والاستثمار والتعليم، جعلت من العيون والداخلة نموذجين للتنمية الإفريقية الحديثة.

هذا النجاح المغربي يُحرج اليمين الإسباني، الذي يرى في قوة المغرب تهديداً لهيمنته النفسية القديمة على شمال إفريقيا، ولذلك يسعى إلى تشويه كل ما يرمز إلى السيادة المغربية، بما في ذلك قضية الصحراء.

من المفارقات أن من يرفض اليوم الاعتراف بمغربية الصحراء هم أنفسهم الذين يتغاضون عن الاحتلال الإسباني لمليلية وسبتة والجزر الجعفرية.

إنها ازدواجية أخلاقية تكشف عمق الأزمة الفكرية لدى اليمين المتطرف: ينددون بما يسمونه “ضمّ الصحراء”، بينما يتباهون ببقاء جيوب استعمارية داخل التراب المغربي منذ القرن الخامس عشر.

من هنا، فإن النقاش حول اتفاقيات مدريد ليس تاريخياً فحسب، بل هو مرآة للذهنية الاستعمارية التي لم تغادر بعض النخب الإسبانية بعد.

خمسون عاماً بعد “خيانة مدريد”، يستمر المغرب في الدفاع عن وحدته الترابية بشجاعة سياسية وحنكة دبلوماسية، بينما ما زال اليمين الإسباني يبحث عن مجدٍ ضائع في خرائط استعمارية بائدة.

المغرب اليوم لا ينتظر من مدريد تبريراً أو اعتذاراً، بل شراكة قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

أما من يحنّ إلى زمن الحامية العسكرية في العيون أو مليلية، فليدرك أن المغرب الجديد لا يُساوَم على ترابه ولا يُبتز بتاريخٍ دفنه مع المسيرة الخضراء.

13/11/2025

مقالات خاصة

Related Posts