kawalisrif@hotmail.com

الحسيمة :     الدخول المدرسي .. موسم مرتبك بين طموح الإصلاح وواقع الإختلال

الحسيمة : الدخول المدرسي .. موسم مرتبك بين طموح الإصلاح وواقع الإختلال

انطلق الموسم الدراسي 2025-2026 بإقليم الحسيمة وسط آمال كبيرة لدى الأسر والفاعلين التربويين بأن يشكل محطة مفصلية في تنزيل الرؤية الاستراتيجية 2015–2030 وخارطة الطريق 2022–2026، غير أن المعطيات الميدانية أظهرت استمرار مجموعة من الاختلالات البنيوية والإدارية التي تعيق تحقيق شعار “مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء”.

فبينما تتحدث الوثائق المرجعية عن إصلاح شامل للمنظومة، تعيش العديد من المؤسسات التعليمية بالإقليم واقعا مغايرا، يتجلى في ضعف التأطير التربوي وتراجع الدعم الاجتماعي وتنامي مظاهر الارتجال في التخطيط والتدبير.

لا يزال الإقليم يعاني خصاصا ملحوظا في المؤسسات التعليمية، خاصة في الجماعات القروية والمراكز الصاعدة، إضافة إلى القطب الحضري سيدي عابد الذي يعرف توسعا عمرانيا متسارعا دون مواكبة كافية بالتجهيزات التربوية.

وفي عدد من الدواوير، يضطر التلاميذ إلى قطع مسافات طويلة عبر تضاريس وعرة للوصول إلى المدرسة، ما يساهم في ارتفاع نسب الهدر المدرسي، خصوصا في صفوف الفتيات. كما يشهد عدد من المؤسسات اكتظاظا مقلقا داخل الأقسام، وضعفا في المرافق الأساسية، من مراحيض غير صالحة ومياه غير متوفرة بانتظام، مما يخلق بيئة مدرسية غير ملائمة.

الفاعلون الحقوقيون دعوا إلى التعجيل بإصلاح هذه المرافق وربطها بشبكات الماء والكهرباء ضمانا لحق التلاميذ في التعلم في ظروف صحية وإنسانية.

ورغم الحديث عن رقمنة التعليم، ما تزال العديد من المؤسسات بالإقليم تفتقر إلى الوسائل التعليمية الأساسية. فالأقسام ما زالت تعتمد على طاولات متهالكة وسبورات تقليدية، فيما المكتبات مغلقة أو فارغة، وقاعات الإعلاميات تفتقد إلى الحواسيب والربط بالشبكة.

كما يضطر عدد من الأساتذة إلى استعمال مواردهم الخاصة لتوفير الوثائق التربوية في غياب آلات النسخ والطباعة، مما يثقل كاهلهم ويمس بمبدأ تكافؤ الفرص في بيئة العمل.

يعتبر تدبير الموارد البشرية من أبرز التحديات التي تواجه الدخول المدرسي بالحسيمة، حيث تعاني مختلف الجماعات الحضرية والقروية من خصاص كبير في الأطر التعليمية والإدارية.

فقد سجلت مؤسسات عديدة غياب أساتذة في مواد أساسية لأكثر من شهرين منذ انطلاق الموسم، ما أثر سلبا على السير العادي للدراسة.

ولجأت المديرية الإقليمية إلى حلول مؤقتة كدمج الأقسام وتكليف أساتذة التعليم الابتدائي بتدريس مواد في السلك الإعدادي دون تكوين مسبق، مما انعكس على جودة التعلمات واستقرار المدرسين.

كما أشار فاعلون تربويون إلى ضعف التخطيط الاستباقي وغياب التنسيق بين المصالح، إضافة إلى ما يعتبرونه اختلالات في معايير التعيين والتكليف.

كما أن قطاع التعليم بالإقليم، حسب متتبعين، يعيش أزمة قيادة واضحة منذ تكليف مدير إقليمي جديد من خارج المنطقة، في ظل شساعة العرض المدرسي الذي يتجاوز 210 مؤسسة، أغلبها في المجال القروي.

وقد أثار هذا التعيين نقاشا حول محدودية الحكامة الترابية وضعف التواصل بين المديرية الإقليمية ومكونات القطاع.

وفي السياق نفسه، تتحمل الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بطنجة–تطوان–الحسيمة جزءا من المسؤولية، لغياب التنسيق الكافي والتشاور مع الفاعلين المحليين قبل اتخاذ قرارات تنظيمية تتعلق بالدخول المدرسي، وفق ما يراه عدد من المتابعين.

وتواجه الأطر التربوية في المناطق القروية والجبلية ظروفا مهنية صعبة، في ظل غياب النقل المدرسي والخدمات الاجتماعية والمرافق الترفيهية. كما تعاني المؤسسات من غياب أعوان الحراسة والنظافة، مما يؤثر على الأمن والنظافة داخل المدارس.

في المقابل، يعاني التلاميذ من ضعف في برامج الدعم الاجتماعي وقلة الأنشطة الموازية، رغم أهميتها في تنمية المهارات وترسيخ القيم.

كما يستمر مشكل السكنيات الوظيفية المحتلة دون وجه حق، ما يحرم عددا من الأساتذة الجدد من حقهم في السكن، خصوصا في المناطق النائية. وطالب فاعلون تربويون بفتح تحقيق وجرد شامل للسكنيات وإخلاء المحتلة منها، مع بناء وحدات جديدة مجهزة لتشجيع الاستقرار المهني.

في وقت تواصل فيه مؤسسة التفتح الفني والأدبي بالحسيمة إحياء الحياة المدرسية بأنشطة فنية وثقافية متنوعة، بفضل مجهودات أطرها التربوية. غير أن هذه الدينامية تصطدم، وفق متتبعين، بجمود إداري وغياب التواصل الفعّال، ما يحد من إمكانيات التطوير والإبداع داخل المؤسسة.

ويعكس الدخول المدرسي الحالي بالحسيمة مفارقة واضحة بين طموح الإصلاح والواقع الميداني الذي لا يزال يعاني من أعطاب بنيوية وإدارية.

ويرى الفاعلون أن تجاوز هذه التحديات يتطلب إرادة مؤسساتية حقيقية تضع المتعلم في صلب الاهتمام، وتعيد للمدرسة العمومية مكانتها كمجال للتكوين والمواطنة والارتقاء الاجتماعي.

13/11/2025

مقالات خاصة

Related Posts