في تطوّر لافت يحمل في طياته دلالات جيوسياسية بالغة الحساسية، كشفت مصادر متطابقة أن الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني تلقّى تقريرًا استخباراتيًا مفصّلًا من أجهزة فرنسية رفيعة المستوى، يتحدّث عن مخطط جزائري خطير يهدف إلى قلب النظام في نواكشوط عبر توظيف شخصيات موريتانية متحالفة مع البوليساريو، ودفع البلاد نحو سيناريو انفصالي يروم إقامة كيان تابع للبوليساريو في الشمال الغربي لموريتانيا فور وصول تلك المجموعة إلى السلطة.
التقرير الذي جرى تسليمه في سياق دبلوماسي بالغ الدقة كشف أن لقاءات جمعت المسؤولين الجزائريين بتلك الشخصيات تمت فوق التراب الأوروبي، في محاولة لتجنب الرصد الإقليمي ولإضفاء طابع “الشرعية السياسية” على تحركات تُدرج في خانة الهندسة السرّية لتغيير الأنظمة.
فور اطلاعه على خلاصات التقرير، أطلق الرئيس الغزواني سلسلة تحركات محسوبة، تمثّلت في إقالات، وتحقيقات داخل مؤسسات الدولة، ومراجعة دقيقة لشبكات النفوذ المرتبطة بالبوليساريو والجزائر.
هذه الخطوة لا تأتي فقط في إطار حماية الاستقرار الداخلي، بل تعكس كذلك إرادة موريتانية واضحة في إعادة ضبط البوصلة الاستراتيجية، وتحصين البلاد من أي محاولة لاستغلال هشاشة المحيط الإقليمي لفرض أجندات معادية لوحدة موريتانيا الترابية.
بالنسبة للدوائر المسيّرة في الجزائر، لم يعد خيار استهداف موريتانيا مجرد رغبة سياسية، بل رهانًا حتميًا بعد تضاؤل نفوذها داخل الساحة المغاربية وتراجع أوراقها الإقليمية.
فالمشاريع الانفصالية التي تراهن عليها الجزائر ، وعلى رأسها البوليساريو ، تعيش اليوم عزلة غير مسبوقة بعد تعزز الموقف المغربي دوليًا وقاريًا، ما دفع صناع القرار في قصر المرادية إلى البحث عن منافذ أخرى لاستعادة القدرة على التفاوض عبر خلق بؤر توتر جديدة.
وهنا بالضبط تسعى الجزائر إلى التوغّل داخل الجغرافيا السياسية الموريتانية، عبر تحريك وكلاء قدامى وجدد، لإيجاد موطئ قدم يتيح لها التأثير على مسارات الساحل والصحراء، وإعادة بناء شبكة تحالفات متهالكة.
يشكّل استقرار موريتانيا صمام أمان للمنطقة بأكملها، وركيزة لتأمين الحدود الغربية للساحل.
فالمغرب، الذي يواجه منذ عقود مشروعًا انفصاليًا مفتعلًا، يدرك تمامًا أن أي مسّ بالاستقرار الموريتاني سيعني فتح الباب أمام موجات جديدة من الفوضى والتطرف والتهريب، وهي تطورات لا تخدم سوى الجهات التي تراهن على نشر الفوضى كآلية تفاوضية.
كما أن الرباط ترى في التحركات الأخيرة لنواكشوط ، خصوصًا بعد تسلم التقرير ، مؤشرًا على نضج دبلوماسي موريتاني ورغبة في النأي بالنفس عن لعبة المحاور التي دمرت المنطقة.
توجه يلتقي مع الرؤية المغربية القائمة على دعم الاستقرار، وتعزيز التنمية الإقليمية، وتحصين الدول من المشاريع الانفصالية.
إن تحركات الجزائر، بكل ما تحمله من نزعات تدخلية وعداء مزمن للوحدة الترابية لدول الجوار، تكشف مرة أخرى أن النظام الجزائري يفضّل تصدير أزماته الداخلية بدل مواجهتها، وأنه مستعد لزعزعة استقرار الدول المجاورة مقابل الحفاظ على وهم “النفوذ الإقليمي” الذي سقط منه منذ زمن.
لكن الرسالة التي ينبغي أن تصل بوضوح إلى صناع القرار في الجزائر هي التالية :
موريتانيا ليست ساحة لتصفية الحسابات، وليست ملعبًا لمشاريع انفصالية فاشلة، ولن تكون بديلًا عن الهزائم الدبلوماسية التي مُنيتم بها في ملف الصحراء المغربية.
15/11/2025











