أضاءت مدينة الناظور ليلة السبت فضاء المتوسط بلحظة ثقافية راقية، خلال حفل تسليم الجائزة الدولية للذاكرة المشتركة، إحدى المحطات البارزة في مهرجان “الذاكرة المشتركة” الذي أثبت، على مدى دوراته، أنه ليس مجرد تظاهرة فنية، بل جسر حضاري يعيد وصل ما انقطع بين ضفّتي المتوسط، انطلاقًا من الذاكرة المشتركة وترسيخًا لأفق إنساني واسع.
تصدّر الحفل إعلان فوز المستشار الملكي عمر عزيمان بالجائزة الدولية للذاكرة المشتركة، تقديرًا لمساره الواسع في خدمة دولة القانون وبناء المؤسسات، واعتباره من أبرز الشخصيات التي أسهمت في ترسيخ قيم الديمقراطية والعدالة في المغرب.
وقد قدّم الوزير السابق عبد السلام الصديقي كلمة مؤثرة في حقه، استعاد فيها محطات رئيسية من مساره الفكري والحقوقي، مؤكدًا أن نيل عزيمان للجائزة هو اعترافٌ دولي برجل دولة جمع بين الحكمة والرؤية الإصلاحية، واستطاع، عبر عقود، أن يبقى حاضرًا في قلب التحولات الديمقراطية التي شهدها المغرب.
وفي لحظة دافئة بطعم الشعر وعمق الانتماء ، جرى تكريم الشاعرة والحقوقية الكويتية الدكتورة سعاد آل صباح، التي منحت المهرجان بعدَه العربي ورونقه الإنساني.
تنتمي الدكتورة سعاد إلى عائلة آل صباح الحاكمة بالكويت، ما منحها تكوينًا سياسيًا واجتماعيًا مكّنها من أن تجمع بين رهافة الشعر وعمق الفكر. وقد برزت منذ سبعينيات القرن الماضي كواحدة من أهم الأصوات النسائية العربية، مدافعة عن حرية الإنسان، وحقوق المرأة، وقيم العدل والمساواة.
امتدّ مسارها بين الإبداع الأدبي، عبر دواوين تركت أثرًا عربيًا واسعًا، وبين الكتابة الفكرية والاقتصادية التي شكّلت إضافة فريدة في الفكر الخليجي والعربي. كما تميّز حضورها بمواقف إنسانية متجذّرة في انتمائها العربي المشترك، ورؤية تؤمن بأن الثقافة جسرٌ لتقارب الشعوب لا ساحة لصراعها.
وقد تسلّم نجلها درع التكريم نيابة عنها، بينما عبّر مدير ديوانها في كلمة مقتضبة عن تقدير الدكتورة للناظور ومهرجانها، وعن اعتزازها بالجائزة التي تأتي لتتوج مسارًا طويلاً من العطاء الأدبي والفكري.
أثّث الأديب والمفكر العراقي عبد الحسين شعبان الأمسية برؤية موسوعية حول مركزية الذاكرة في بناء مستقبل مشترك، مؤكدًا أن الشعوب لا تعبر آلامها ما لم تواجه تاريخها بصدق، وأن الثقافة تظل الجسر الأكثر صلابة في ترميم العلاقات بين الأمم.
ومنحت الفرقة الموسيقية الإسبانية “النساء المتوسطات” الأمسية لمسة فنية ناعمة، عبر مزجٍ متقن بين الإيقاعات الأندلسية والروح المتوسطية، في عرضٍ أضاف للحفل نبرة احتفائية عابرة للحدود.
مرة أخرى، تثبت الناظور أنها مدينة تصنع ثقافتها ولا تكتفي باستقبالها. فالجائزة الدولية للذاكرة المشتركة ليست مجرد احتفاء بأسماء، بل تأكيد على أن الذاكرة مشروع مستقبلي، وأن المتوسط فضاء حيّ يكتب يوميًا بالحوار والفن والإنسان.
15/11/2025











