kawalisrif@hotmail.com

عودة بوليفيا إلى العالم … ورؤية جديدة للسياسة الخارجية

عودة بوليفيا إلى العالم … ورؤية جديدة للسياسة الخارجية

شهدت بوليفيا خلال العقدين الأخيرين مرحلة من الصراعات الداخلية العميقة، امتزج فيها الصراع الشخصي للأقطاب السياسية بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن استقطاب الرأي العام إلى أقصى حد. وقد أدى هذا الانقسام إلى انهيار حزب “MAS” الذي حكم البلاد لعشرين عامًا بقيادة إيفو موراليس ولويس أرس، مما مهد الطريق لوصول الرئيس الجديد رودريغو باز إلى سدة الحكم بعد جولة انتخابية حاسمة بين مرشحين من التيار المحافظ. ويبدو أن هدفه الأساسي منذ أول يوم في السلطة هو إعادة بوليفيا إلى قلب الساحة الدولية، وتجاوز الانعزال السياسي والاقتصادي الذي ورثه عن العقدين الماضيين.

منذ بداية ولايته، ركز الرئيس الجديد على معالجة الأزمة الطاقية وتحسين توفير الوقود، وهو خطوة عملية تعكس اهتمامه بالجانب الاقتصادي المباشر لمعيشة المواطنين. وفي الوقت نفسه، عاد العلم الوطني ليزين جميع المناسبات الرسمية، بينما أزيلت الرموز التي فرضها النظام الاشتراكي السابق، بما في ذلك علم “ويپالا” والرموز الرسمية للفترة الاشتراكية، في محاولة لاستعادة صورة الدولة ومؤسساتها. كما أعلن عن استعادة السيطرة على المناطق التي غابت عنها الدولة، مؤكدًا أن استقرار البلاد يبدأ من سيطرة الحكومة على جميع أراضيها.

السياسة الخارجية شهدت انقلابًا نوعيًا، إذ ابتعدت بوليفيا عن التحالف مع روسيا وكوبا وفنزويلا، وبدأت تتقارب مع جيرانها في أمريكا الجنوبية، مثل تشيلي وبيرو والأرجنتين، إلى جانب تعزيز الروابط مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. هذا التوجه يعكس رغبة الإدارة الجديدة في جذب الاستثمارات، وتوفير بيئة قانونية آمنة للمستثمرين، بعيدًا عن أي مخاطر سياسية كانت تسيطر على البلاد سابقًا. وقد التقت الحكومة الجديدة ممثلين من الولايات المتحدة وألمانيا واليابان والبنك الدولي، حيث تعهدت ألمانيا بدعم تطوير صناعة الليثيوم، المورد الاقتصادي الرئيس لبوليفيا، ما يفتح آفاقًا جديدة للتنمية الصناعية.

وفي الداخل، ركز رودريغو باز على تعزيز دور القوات المسلحة والشرطة في حفظ الأمن، ومحاربة الجماعات الإجرامية، مع الاستجابة لمطالب عمال المناجم بتخصيص وزارة خاصة بهم. وتأتي هذه الخطوات ضمن رؤية شاملة لإعادة بناء الدولة وإعادة هيبة مؤسساتها التي تأثرت بشدة خلال فترة حكم الاشتراكيين، بما في ذلك القضاء على مظاهر الفساد واستعادة النظام القانوني.

إن التحدي الأكبر أمام الإدارة الجديدة يكمن في ثلاثة محاور أساسية: أولها إعادة تنظيم الدولة بشكل اتحادي حقيقي، ثانيها تحقيق الاستقرار الاقتصادي وجذب الاستثمارات، وثالثها إعادة بناء المؤسسات التي تضررت بشدة خلال حكم الاشتراكيين. وإذا نجح رودريغو باز في هذه المسارات، فإن بوليفيا ستعود بقوة إلى الساحة الدولية، مستفيدة من خبرات الماضي وتجارب أسلافه، مثل والده خايمي باز زامورا وعمه الأكبر فيكتور باز إستنسورو، اللذين عُرفا بإصلاحاتهما المؤسسية العميقة.

من الواضح أن بوليفيا الجديدة تسعى إلى وضع حد للفوضى والانقسام الداخلي، وترمي نحو تعزيز دور الدولة ومؤسساتها، مع تبني سياسة خارجية متوازنة ومرنة، بعيدًا عن الانعزال والتبعية للمحاور الخارجية السابقة. وهو ما يجعل هذه المرحلة فترة حاسمة في تاريخ البلاد، وقد تكون نموذجًا لكيفية إعادة بناء الدولة بعد سنوات طويلة من الهيمنة السياسية والفكرية لحزب واحد.

15/11/2025

مقالات خاصة

Related Posts