kawalisrif@hotmail.com

دراسة دولية تُطلق إنذاراً بيئياً :    الفوسفاط يحول آسفي إلى “بؤرة ساخنة” لتراكم المعادن السامة

دراسة دولية تُطلق إنذاراً بيئياً : الفوسفاط يحول آسفي إلى “بؤرة ساخنة” لتراكم المعادن السامة

كشفت دراسة علمية دولية نُشرت في مجلة “ساينتيفيك ريبورتس” التابعة لـ“نيتشر” أن مدينة آسفي تقف اليوم على خط مواجهة مباشر مع أحد أخطر أشكال التلوث المعدني في المنطقة، بعدما أثبتت البحوث أن التربة والنباتات في عدد من مواقعها تحولت إلى خزانات لمستويات مرتفعة من المعادن الثقيلة، وعلى رأسها الكادميوم والرصاص والكروم والنحاس والزنك، في مؤشر يضع المدينة في قلب نقاش بيئي عالمي غير مسبوق.

الدراسة، التي صدرت يوم 30 أكتوبر 2025، ونجح في إنجازها فريق من الباحثين بجامعة القاضي عياض بمراكش، خلصت إلى أن المناطق الصناعية والحضرية والزراعية المتجاورة في آسفي تكوّن معاً مشهداً مركباً لتراكم العناصر السامة وانتقالها عبر الهواء والتربة والنبات ثم إلى السلسلة الغذائية، وهو ما يجعل الخطر البيئي مضاعفاً، خصوصاً بعد تسجيل نسب تتجاوز الحدود الدولية في بعض المواقع.

وأظهرت نتائج التحليل أن المنطقة الصناعية الخاصة بمعالجة الفوسفاط تُعدّ الأكثر تلوثاً على الإطلاق، حيث بلغت تركيزات المعادن فيها مستويات توصف بالمرتفعة جداً؛ فقد سجلت التربة 102 ملغ/كغ من الكروم، و148.7 ملغ/كغ من الزنك، و4.8 ملغ/كغ من الرصاص، فيما وصل الكادميوم إلى 1.8 ملغ/كغ، وهي قيم أعلى بأضعاف من المنطقة المرجعية النظيفة في سيدي بوزيد. كما بيّنت الدراسة أن جزءاً مهماً من هذا التلوث لا يأتي من التربة فقط، بل تحمله سحب الغبار الصناعي المنبعثة من وحدات الفوسفاط والإسمنت، وهو ما ظهر من خلال نسب مرتفعة من الرصاص في الماء الناتج عن غسل أوراق النباتات في المنطقة.

ورغم أن منطقة المطرح العشوائي جاءت في المرتبة الثانية من حيث التلوث، تليها منطقة مصنع الإسمنت، فإن الفوارق بينها وبين منطقة الفوسفاط ظلت واسعة، مما يبرز الضغط البيئي المتصاعد الذي تخلّفه الصناعات الثقيلة في المدينة. كما أثبتت الدراسة أن النباتات المنتشرة قرب هذه المناطق لا تُعدّ ضحية فقط، بل قناة نشطة لانتقال الملوثات إلى الإنسان والماشية، بعدما كشفت التحاليل وجود نسب مرتفعة من الزنك والنحاس والرصاص والكادميوم في أوراق الكاليبتوس والخردل البري خصوصاً، وهو ما يهدد بنقل هذه العناصر إلى اللحوم والحليب.

وأكد الباحثون أن بعض النباتات تجاوزت الحدود القصوى المسموح بها دولياً، خاصة في ما يتعلق بالكادميوم، وهو ما يرفع مخاطر الإصابة باضطرابات الجهاز العصبي والكلى والكبد، بالإضافة إلى المخاطر المسرطنة المرتبطة ببعض المعادن. كما سجلت الدراسة “إجهاداً حيوياً” حاداً في النباتات المتواجدة قرب المناطق الملوثة، بعد رصد تراجع ملحوظ في نشاط إنزيم الفوسفاتاز الضروري لنموها.

الحسابات العلمية لمنسوب التدهور البيئي جاءت هي الأخرى مثيرة للقلق؛ إذ حصلت منطقة الفوسفاط على مؤشر “تحميل التلوث” بقيمة 22.8، وهو رقم يعكس وضعاً بيئياً حرجاً يستدعي تدخلاً عاجلاً، بينما سجلت منطقة المطرح العشوائي 17.1، ومنطقة الإسمنت 13.4، وهي كلها مؤشرات تضع أجزاء واسعة من المدينة ضمن نطاق التلوث العالي.

وتخلص الدراسة إلى أن آسفي تواجه وضعاً بيئياً معقداً لا يمكن التعامل معه بالحلول التقنية وحدها، بل يحتاج إلى مقاربة شاملة تشمل الحد من الانبعاثات الصناعية، وإنشاء مطارح مراقبة، ومراقبة جودة الهواء والتربة والمياه الجوفية، ومنع الزراعة والرعي في المناطق الملوثة، وربط البيانات البيئية بالمخاطر الصحية المحتملة. كما يحذر الباحثون من أن استمرار الوضع الحالي قد يدفع بالمدينة نحو تدهور بيئي متسارع، إذا لم تتدخل المؤسسات الحكومية بقرارات صارمة تواكب حجم الخطر الذي كشفته الدراسة.

16/11/2025

مقالات خاصة

Related Posts