في الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، عادت قضية الصحراء المغربية إلى واجهة النقاش في إسبانيا بعد خروج شخصيتين سياسيتين بارزتين ـــ خوسي بونو وخورخي فيرسترينجه ـــ بتصريحات اعتُبرت في مدريد “دفاعاً صريحاً” عن المقاربة المغربية في هذا الملف، في لحظة تشهد فيها الدبلوماسية المغربية زخماً دولياً جديداً عقب قرار مجلس الأمن الأخير.
خوسي بونو، وزير الدفاع الإسباني الأسبق، الذي سبق أن هاجم الرباط قبل عقدين واصفاً المغرب بـ”الدولة التي ينبغي أن تكون في المتحف”، عاد اليوم ليشدد على “نجاح الدبلوماسية الملكية بقيادة جلالة الملك محمد السادس”.
وفي حديثه لوكالة المغرب العربي للأنباء، اعتبر بونو أن قرار مجلس الأمن 2797 يمثل “منعطفاً جديداً نحو الاستقرار والتعاون الإقليمي”، مؤكداً أن خطاب الملك محمد السادس بعد القرار “يعكس رؤية إنسانية تضع رفاه الشعوب فوق كل اعتبار”.
ورغم أن القرار لا يزال في انتظار نشره الرسمي بالأمم المتحدة، فإن التصريحات الإسبانية المؤيدة لمقاربة الحكم الذاتي تواصل إحراج جزء واسع من الطبقة السياسية في مدريد، لا سيما داخل الحزب الاشتراكي الذي يعيش عزلة برلمانية بسبب موقفه الجديد من الصحراء المغربية.
أما خورخي فيرسترينجه، السياسي المعروف بمواقفه المتقلبة، فقد أدلى بتصريحات مثيرة لوسيلة إعلام موالية للطرح المغربي، حيث أكد أن “القرن 21 سيكون مغربياً بامتياز”، وأن المملكة اليوم “قوة حقيقية في منطقة يورو-إفريقيا”.
ويرى فيرسترينجه أن ملف الصحراء “حُسم”، وأن مدريد تخلت بشكل نهائي عن “الطيش الرومانسي” المؤيد للبوليساريو، مشيراً إلى أن موقف الرباط يشكل ضمانة استراتيجية لإسبانيا في مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية.
غير أن السياسي الإسباني تجاهل في حديثه أن عدة أحزاب إسبانية بارزة ـــ من بينها بوديموس وPNV وBNG وEH Bildu ـــ لا تزال تعارض الموقف الجديد للـPSOE وتتمسك بقراءة مختلفة للنزاع.
تعليقات القراء في الصحيفة الإسبانية تكشف مناخاً من القلق وارتفاع منسوب الخطاب المعادي للمغرب، فيما تتكرر في التعليقات الإشارات إلى سبتة ومليلية المحتلتين وجزر الكناري، في تعبير عن استمرار شريحة من الرأي العام الإسباني في النظر إلى المغرب بعين الريبة.
هذا النقاش الإسباني الداخلي، رغم حدّته، يعكس في العمق تحول موازين القوة في المنطقة، حيث بات المغرب اليوم فاعلاً مركزياً تتعامل معه القوى الأوروبية باعتباره شريكاً لا يمكن تجاوزه، بحكم موقعه الاستراتيجي ودوره الأمني والاقتصادي المتصاعد.
الجدل الدائر في الإعلام والسياسة بإسبانيا يعكس حقيقة واحدة:
الرباط نجحت خلال العقد الأخير في تثبيت رؤيتها الدولية بشأن الصحراء المغربية، بينما تعيش مدريد حالة ارتباك بين قراءة جديدة للواقع الجيوسياسي ورواسب تاريخية لم تعد مجدية.
وفي الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، يتأكد مرة أخرى أن المغرب يواصل تعزيز حضوره الإقليمي والدولي بثقة وثبات، فيما تتجه الأصوات الإسبانية نحو الاعتراف ـــ طوعاً أو اضطراراً ـــ بأن مبادرة الحكم الذاتي هي الإطار الوحيد الواقعي والعملي لإنهاء هذا الملف.
17/11/2025











