حاول رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام، في مقابلة تلفزيونية حديثة، رسم ملامح سياسة جديدة تعيد تأكيد موقع الدولة وتفصل بين منطق المؤسسات ومنطق القوة الموازية، مؤكدًا أن قرار السلم والحرب يجب أن يبقى من اختصاص الحكومة وحدها وأن زمن الوصايات الخارجية قد ولّى. وأشار إلى أن الاستقرار الاقتصادي والسياسي لا يتحقق إلا حين تُستعاد حصرية السلاح ومرجعية القرار الأمني والعسكري ضمن المؤسسات الرسمية، معتبراً أن الإصلاح مرتبط مباشرة باستعادة الثقة الوطنية ورفع الهالة الملتبسة حول صورة لبنان نتيجة وجود سلاح خارج إطار الدولة وتناقض القرارات بين المؤسسات الرسمية والقوى المسلحة.
لكن الواقع يعكس فجوة كبيرة بين الخطاب الرسمي والممارسة الميدانية، خاصة مع استمرار تمسك «حزب الله» بسلاحه وحق المقاومة، ورفضه أي نقاش حول نزع السلاح أو ربطه بوقف إطلاق النار، ما يعكس استمرار التحدي العسكري والسياسي للدولة. ويضاف إلى ذلك وجود اقتصاد موازٍ للحزب يعتمد على شبكات تمويل وخدمات اجتماعية مستقلة، أبرزها جمعية «القرض الحسن»، التي توفر سيولة لمناصريه خارج النظام المالي الرسمي، ما يكرس هيمنة الحزب الاقتصادية والاجتماعية ويضعف قدرة الدولة على ضبط مواردها المالية ومؤسساتها الاقتصادية، ويؤكد استمرار وجود سيادة موازية تتحكم فيها قواعد الحزب وأدواته المختلفة.
ولا يقتصر التحدي على البعد العسكري والاقتصادي فحسب، بل يمتد إلى البنية السياسية والثقافية والاجتماعية، إذ إن الحزب يسيطر على مؤسسات الدولة ويعطل التشريع، بينما تعمل الرئاسة والحكومة على موازنة الولاءات المتضاربة، فيما النظام التعليمي والإعلامي والخدمات الاجتماعية يعزز الولاء العقائدي والسياسي للحزب. وفي ظل هذه المنظومة المعقدة من السيادات الموازية، تبدو معركة استعادة الدولة للسيادة الحقيقية أعمق من مجرد استعادة قرار الحرب والسلم، فهي تتطلب إعادة بناء مؤسسات قوية وموثوقة قادرة على استعادة الشرعية والثقة والانتماء الوطني، وتحويل السيادة من شعار سياسي إلى ممارسة فعلية في كل مفاصل الدولة.
17/11/2025











