يدخل الشعب التشيلي اليوم مرحلة سياسية دقيقة تُشبه الامتحان الوطني الكبير، وهو يستعد لاختيار من سيقود البلاد بين عامي 2026 و2030، في سباق رئاسي كشف عن استقطاب غير مسبوق بين مشروعين متناقضين: يسار اجتماعي مدعوم من الحكومة الحالية، ويمين متطرف يراهن على خطاب شعبوي حاد.
فبعد انتهاء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت أمس الأحد، وإثر فرز 99% من الأصوات، تقدّمت مرشحة اليسار جانيت جارا—القيادية الشيوعية ووزيرة العمل السابقة في حكومة غابرييل بوريك—بنسبة 26.8%. ورغم تصدّرها النتائج، فإن حصيلتها جاءت أدنى مما منحتها إياه استطلاعات الرأي خلال الأسابيع الماضية، ما يعكس مزاجًا انتخابيًا متذبذبًا وقلقًا شعبيًا من الأداء الحكومي.
وفي المقابل، نجح المرشح اليميني المتطرف خوسيه أنطونيو كاست، زعيم الحزب الجمهوري، في تثبيت حضوره القوي بحصوله على 23.9%، مستفيدًا من خطاب محافظ متشدد حول الهجرة، الأمن، والاقتصاد الحر، وهو خطاب يجد صداه اليوم في جزء من الشارع التشيلي المتخوف من التحديات الاجتماعية والاقتصادية.
هذا المشهد الانتخابي، الذي يضع جارا وكاست وجهًا لوجه في جولة ثانية حاسمة، يعكس بوضوح انقسامًا حادًا داخل المجتمع التشيلي، وربما يعيد البلاد إلى نقاشات الهوية السياسية والاجتماعية التي شهدتها خلال العقد الأخير.
تبدو التجربة التشيلية نموذجًا حيًا لكيفية تصاعد الشعبوية اليمينية في العالم، مقابل تراجع ثقة الشعوب في الأحزاب التقليدية، مع استمرار تأثير الأزمات الاقتصادية والاجتماعية على التوازنات السياسية. كما يقدم المشهد درسًا في أهمية الاستقرار المؤسساتي، وحيوية المشاركة الديمقراطية لحماية المسار السياسي من الارتدادات الحادة.
الجولة الثانية ستكون حاسمة… وستحدد ليس فقط رئيس تشيلي القادم، بل أيضًا ملامح العقد السياسي المقبل في واحدة من أهم ديمقراطيات أمريكا اللاتينية.
17/11/2025











