شهد قطاع الأدوية خلال الأيام الماضية نقاشًا محتدمًا تحت قبة البرلمان أثناء مناقشة مشروع قانون المالية 2026، بعدما فجّر وزير الصحة، أمين التهراوي، تصريحات غير مسبوقة كشف فيها غياب أي لوائح أو معطيات دقيقة حول سوق الدواء لسنوات طويلة، في إشارة واضحة إلى اختلالات عميقة داخل مديرية الأدوية. وجاءت هذه الخرجة تفاعلاً مع احتجاجات “جيل زيد” الداعية إلى القطع مع لوبيات الاحتكار، لتمنح الوزير دفعة قوية نحو مواجهة تراكمات فساد معقّد ظلّت تقارير إعلامية، ترصد تفاصيله منذ فترة الجائحة، حيث طُرحت قضايا تتعلق بصفقات بملايير الدراهم تورط فيها مسؤولون وفاعلون من حكومات سابقة.
غير أن هذا النقاش تحوّل سريعًا إلى ورقة سياسية استغلها حزب العدالة والتنمية بما كشفه تصريحٌ حديث لأمينه العام عبد الإله بنكيران، الذي اعتبر أن الموضوع سيخدم الحزب انتخابياً. هذا التوظيف، بحسب مراقبين، عكس انزياحًا عن جوهر الملف، خصوصاً وأن الوزير يواجه بالفعل “حيتانًا” كبرى داخل القطاع، بينما اختار الحزب تسليط الضوء على صفقة ارتبطت بشركة يملك أحد وزراء الحكومة أسهماً فيها، رغم أن القانون يضمن حق جميع الشركات الوطنية في التنافس. في المقابل، يتجاهل الحزب ملفات حساسة أخرى أثيرت حول صفقات ضخمة خلال جائحة كورونا، تورط فيها مقربون منه أو فاعلون استفادوا من قربهم السياسي، في حين تم تعطيل مهام برلمانية رقابية كانت موجهة لكشف هذه الاختلالات.
وتطرح هذه التطورات سؤالاً أعمق حول الخطاب السياسي السائد، بين من يرفع شعار مواجهة “زواج المال والسلطة” ومن يمارس انتقائية تفرضها مواقع المعارضة أو المصلحة. فبينما يدعو البعض إلى إقصاء رجال الأعمال من الحياة السياسية، تظهر التجارب التاريخية أن البورجوازية الوطنية لعبت دورًا محوريًا في بناء الدول ودفع عجلة التغيير. وتبقى الإشكالية الحقيقية، كما يوضح عدد من المتابعين، ليست في الجمع بين المال والسياسة، بل في اقتران السياسة بالشعبوية، والجهل، وغياب المسؤولية، وهي عوامل تهدد أي إصلاح حقيقي داخل قطاع حيوي مثل الصحة.
17/11/2025











