كشفت التحقيقات الأخيرة للوحدة المركزية العملياتية التابعة للحرس المدني الإسباني عن تورط سانتوس سيردان، القيادي السابق في الحزب الاشتراكي الإسباني، في إدارة شبكة أعمال بالمغرب رغم عدم شغله أي منصب رسمي في الحكومة الإسبانية.
وفق التقرير الرسمي، فقد طلب سيردان من الوزير السابق خوسيه لويس أبالوس اصطحابه إلى المغرب لتوسيع شبكة مصالحه، قائلاً: «أحتاج أن تدمجوني في الرحلة». وأظهرت الرسائل الداخلية أن سيردان نسّق لقاءات مع مسؤولين مغاربة وصفهم بأنهم «موثوقون بالكامل»، بهدف ضمان تنفيذ مصالحه الاقتصادية هناك.
في 29 ديسمبر 2018، أظهرت التحقيقات أن أبالوس وكولدو غارسيا ناقشا زيارة إلى مدينة القنيطرة بناءً على طلب السفارة المغربية، لمتابعة مشروع ميناء صناعي كان من المقرر أن تنفذه مجموعة شركات بقيادة أكسيونا الإسبانية. وفي يناير 2019، أرسل سيردان مستندات رسمية حول المشروع، شملت الملخص التنفيذي وتقرير الوضع الاجتماعي والبيئي، لتسهيل تقدم شركته نحو الفوز بالعقد.
حرص سيردان على متابعة المفاوضات مباشرة، وأصدر تعليمات لكولدو بالتنسيق مع سكرتيرته للسفر معهم ضمن الوفد الإسباني، بصفتـه سكرتير التنسيق الإقليمي للحزب الاشتراكي الإسباني، لتسهيل لقاءات مع المسؤولين المغاربة الذين رتب لهم مسبقاً.
تشير الوثائق إلى أن شركة أكسونا أرسلت إلى وزارة النقل المغربية في سبتمبر 2018 بروتوكولاً للتفاوض المباشر حول المشروع، والذي لم يتم الرد عليه، وكان الهدف استغلال زيارة الوفد الإسباني لتوقيعه. وتنص القوانين المغربية على إمكانية منح عقود البنية التحتية عبر المنافسة العامة، لكن إذا تجاوزت الاستثمارات خمسة مليارات درهم، يمكن اللجوء إلى التفاوض المباشر.
كما وقعت أكسيونا، بمشاركة مسؤوليها في المغرب، مذكرة تفاهم قبل يومين من زيارة أبالوس وسيردان، لتحديد فرص التعاون بين القطاعين العام والخاص في بناء الميناء الجديد بالقنيطرة.
نشرت وزارة النقل الإسبانية لاحقاً بياناً رسمياً يؤكد مشاركة أبالوس في المغرب خلال يومي 25 و26 يناير 2019، بهدف تعزيز مشاركة شركات مجموعة “فومينتو” والشركات الإسبانية الخاصة في المشاريع المغربية، ما يعكس تداخلاً سياسياً واضحاً في الملفات الاقتصادية بالمملكة.
بعد انتهاء الزيارة، أظهرت التحقيقات أن المتابعة لم تتوقف لضمان فوز أكسيونا بالمشروع، حيث ورد في تسجيل صوتي أن «الموضوع المتعلق بالمغرب ما زال مطروحاً»، ما يؤكد استمرار التنسيق والمصالح حتى بعد مغادرة الوفد الإسباني.
شغل سيردان منصب أمين تنظيم الحزب الاشتراكي في ناڤارا بين عامي 2011 و2017، وخلف بيدرو سانشيز في استعادة الأمانة العامة عام 2017. بعد فوز سانشيز، انضم إلى القيادة الفيدرالية الجديدة للحزب، وانتُخب لاحقًا نائبًا عن ناڤارا في مجلس النواب. ثم أصبح أمين تنظيم الحزب الاشتراكي في يوليوز 2021، واتُهم بالفساد، فاستقال من منصبه وغادر الحزب الاشتراكي الإسباني في يونيو 2025.
في يوليوز 2025، أيد القاضي ليوبولدو لوبيز الاتهامات الخاصة بمكتب المدعي العام لمكافحة الفساد، وحكم على سيردان بالسجن بتهم الانتماء إلى منظمة إجرامية واستغلال النفوذ والفساد. وقد وُضع رهن الحبس الاحتياطي دون كفالة، عقب مثوله أمام المحكمة العليا، حيث نفى تورطه، مدعيًا أنه ضحية اضطهاد سياسي.
وفق مصادر قضائية، ادعى سيردان أن هناك محاولات لتوريطه في مفاوضات مع أحزاب سياسية إسبانية أخرى، مشيراً إلى أنه تعرض للضغط السياسي لاستغلال منصبه السابق.
تسلط هذه القضية الضوء على تعقيدات التداخل بين السياسة والأعمال عبر الحدود، وما يمكن أن يترتب على النفوذ السياسي في ملفات اقتصادية حساسة. بالنسبة للمغرب، فإن متابعة هذه الأحداث تؤكد حرص المملكة على ضمان نزاهة المشاريع الاستثمارية وضرورة التزام الشركات الأجنبية بالقوانين المحلية، بما يعزز الشفافية ويحقق المصالح الوطنية دون تأثيرات خارجية.
هذه القضية تمثل درسًا دبلوماسيًا وسياسيًا حول أهمية فصل النفوذ السياسي عن استثمارات البنية التحتية، مع الحفاظ على التعاون الاقتصادي البناء بين المغرب وإسبانيا بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين.
18/11/2025











