عادت بعض المنابر الإعلامية الإسبانية إلى نشر تقارير تتبنّى سرديات قديمة حول “الانتهاكات” في الأقاليم الجنوبية للمغرب، مستندة إلى معطيات صادرة عن هيئات محسوبة على جبهة البوليساريو، دون إخضاعها للتحقق المستقل أو الرجوع إلى البيانات الأممية الحديثة. أحدث هذه التقارير هو ما نشرته منظمة “تجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان – CODESA”، التي تربطها تقارير دولية بجهات داعمة للجبهة، والتي أعادت إحياء الاتهامات نفسها التي تَكرّرت منذ سبعينيات القرن الماضي.
المنظمة تحدثت عن “مئات الانتهاكات” منذ أحداث الكركرات سنة 2020، مقدّمةً أرقاماً مثل “36 معتقلاً سياسياً” و“161 مداهمة” و“106 حالات منع من التنقل”، لكنها لم تُرفق هذه الادعاءات بأسماء الضحايا أو شهادات طبية أو تقارير مراقبين مستقلين، ما يجعل المعطيات غير قابلة للتحقق ويضعها في خانة الروايات غير الموثّقة.
ورغم أن المغرب يخضع أقاليمه الجنوبية لرقابة مؤسسات وطنية، إضافة إلى وجود بعثة الأمم المتحدة “مينورسو” التي لم تُشر في تقاريرها الأخيرة إلى “انتهاكات ممنهجة”، فإن بعض وسائل الإعلام الإسبانية فضّلت نشر رواية المنظمة دون الإشارة إلى هذا السياق الأممي أو عرض وجهات نظر متعددة.
كما تجاهلت هذه التغطيات القرار الأخير لمجلس الأمن (31 أكتوبر 2025)، الذي وصف مبادرة الحكم الذاتي المغربية لعام 2007 بأنها “ذات مصداقية وتشكّل أساساً جدّياً للحل السياسي”، وهو موقف ينسجم مع التوجه الدولي المتزايد نحو حل توافقي ينهي النزاع الطويل.
في الوقت نفسه، تعيد CODESA اتهام إسبانيا بـ“مسؤولية تاريخية وقانونية”، في ما يبدو أنه جزء من الضغط السياسي الذي تمارسه الجبهة منذ مراجعة مدريد لموقفها واعتمادها خطاباً أقرب إلى دعم الحكم الذاتي باعتباره خياراً واقعياً.
وتتغافل بعض المقالات الإسبانية عن التطور الاقتصادي والإداري الذي تعرفه مدن العيون والداخلة والسمارة، سواء في ما يتعلق بالبنية التحتية أو الاستثمارات العمومية أو المشاركة الانتخابية التي تتابعها هيئات وطنية ودولية. كما تغيب عن هذه التغطيات الإشارة إلى الوضع الحقوقي داخل مخيمات تندوف، حيث تُثار أسئلة حول حرية التنقل وتسجيل الهوية والرقابة القانونية على السكان.
في ظل تراجع التأييد الدولي لأطروحة البوليساريو، يبدو أن الرهان على التصعيد الإعلامي أصبح إحدى أدواتها الأساسية، مستفيداً من قابلية بعض وسائل الإعلام الإسبانية لإعادة نشر روايات قديمة دون فحص معمق للسياق أو للمعطيات المتاحة.
أما المغرب، فيؤكد التزامه بالمسار الأممي، معتبراً أن مبادرة الحكم الذاتي تظل الإطار الأكثر واقعية لإنهاء النزاع وتحقيق استقرار طويل الأمد، داعياً إلى تجنيب الملف أي توظيف إعلامي أو سياسي لا يستند إلى حقائق ميدانية أو تقارير أممية موثوقة.
20/11/2025











