يشهد الذهب خلال سنة 2025 موجة ارتفاع غير مسبوقة تجاوزت 40%، مدفوعة ـ وفق خبراء الأسواق العالمية ـ بعمليات شراء سرّية تقودها الصين بصمت شديد. فقد بلغ سعر الأونصة في أكتوبر مستوى قياسياً بلغ 4.380 دولاراً، في ارتفاع تاريخي جعل المعدن النفيس يعود إلى قلب المعادلات الجيوسياسية والمالية العالمية. ورغم أن العوامل الدولية كثيرة، فإن التقديرات تُجمِع على أن بكين أصبحت “الفاعل الخفي” الذي يوجّه مسار الأسعار العالمية ويغذّي موجة المضاربات الصاعدة.
وتشير تقارير اقتصادية إلى أن جزءاً كبيراً من مشتريات الصين يتم خارج القنوات الرسمية، عبر بنوك تجارية وشبكات متخصصة لا تُلزم الدولة بالإعلان عن حجم ما تقتنيه، ما يجعل احتياطات الذهب الحقيقية للصين أكبر بكثير مما تُصرّح به. وتأتي هذه الخطوات في سياق صراع اقتصادي مفتوح مع الولايات المتحدة، حيث تراهن بكين على الذهب كوسيلة لتعزيز استقلالها المالي، وتقوية اليوان، وتقليص هيمنة الدولار على المبادلات الدولية. هذا التحول الاستراتيجي منح الصين قدرة أكبر على التأثير في حركة الأسواق، وفتح الباب أمامها لتقديم نفسها كـ“حارس عالمي للذهب”، وهي خطوة تحمل أبعاداً سياسية واقتصادية تتجاوز حدود التجارة التقليدية.
في الوقت ذاته، يكشف هذا الاندفاع الصيني نحو الذهب عن رغبة واضحة في إعادة صياغة قواعد النظام الاقتصادي العالمي. فبينما تتزايد التوترات بين واشنطن وبكين، تتحرك الصين بثبات لخلق نظام مالي موازٍ، يقوم على امتلاك أصول حقيقية واحتياطات ضخمة، ويستعد لعصر تُصبح فيه المعادن الثمينة جزءاً من ميزان القوة العالمية. هذا التحول لا يمرّ دون انعكاسات على الدول النامية والمتوسطة، ومنها المغرب، الذي يتابع هذه التحولات بدقة من زاوية تأثيرها على احتياطاته، وعلى استقرار الدرهم، وعلى سلوك المستثمرين المحليين الباحثين عن ملاذات آمنة.
ويعني هذا الارتفاع الصاروخي للذهب أن المؤسسات المالية المغربية قد تجد نفسها مضطرة إلى مراجعة استراتيجيات التحوط والتخزين، خصوصاً في ظل موجة عدم اليقين العالمية. كما أن المستثمر المغربي ـ سواء كان فرداً أو مؤسسة ـ أصبح أمام سوق متقلّبة ومرتفعة التكلفة قد تدفعه نحو إعادة التفكير في توزيع أصوله. وعلى المستوى الجيوسياسي، فإن تعاظم نفوذ الصين في سوق الذهب ينعكس تلقائياً على موازين القوى في إفريقيا والشرق الأوسط، وهو ما يفتح أمام المغرب فرصاً جديدة للتعاون، لكنه في المقابل يخلق بيئة تنافسية أوسع مع الحضور الغربي التقليدي.
في المحصلة، ما يجري ليس مجرد ارتفاع في أسعار معدن ثمين، بل إعادة تشكيل حقيقية لخريطة النفوذ المالي العالمي. الصين تتحرك في صمت، لكنها تُحدث تغييراً عميقاً في بنية السوق الدولية، وتُرسل إشارات واضحة بأنها تستعد لعالم اقتصادي جديد تُصبح فيه احتياطات الذهب سلاحاً استراتيجياً. أما المغرب، الذي أثبت خلال السنوات الأخيرة قدرته على قراءة التحولات الدولية بذكاء ومرونة، فيبقى مطالباً بتكييف سياساته المالية والاستثمارية مع هذه التحولات السريعة، لضمان حماية استقراره الاقتصادي وتعزيز موقعه في بيئة دولية تتغير بوتيرة غير مسبوقة.
24/11/2025











